ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ صَبَرَ عَلى النِّكبَةِ كَأَنْ لَمْ يَنْكُبْ

22:15 - September 03, 2025
رمز الخبر: 3501510
بيروت ـ إکنا: إن القرآن الكريم يربط بين الصبر على المصائب والنكبات وبين مرورها عليه خفيفة الثقل والوطأة، بل يعتبر الصبر عليها منطلقاً إلى فُرَصٍ يأتيه الله بها، قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿البقرة: 157﴾. 

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ صَبَرَ عَلى النِّكبَةِ كَأَنْ لَمْ يَنْكُبْ".
 
معادلة مُهِمَّة ومُلهِمة تعلِّمنا مهارة التعامل مع المصائب والنكبات، ففيها يرسم الإمام أمير المؤمنين (ع) ملامح الإنسان الذي لا تكسِره المصائب، بل تهذّبه وتقوّيه، وتصنع منه إنساناً مُتَّزناَ، ثابتاً أمام الهزاهز والنكبات.
 
النَّكبة في اللغة: الشِّدَّة، من شدائد الدهر تنزِل بالإنسان، وقيل هي الدَّاهية والمُصيبة الفادحة العظيمة، التي تُصيب الإنسان، فتُضعِفه أو تُصيبه في نفسه أو ماله أو أهله، وتُطلَق النَّكبة عادة على المصائب الكبيرة غير المتوقّعة، كأنها حجر ثقيل يسقط فجأة على قلب الإنسان. 

أما الصبر فليس انفعالًا سلبياً يدعو الإنسان إلى التسليم بالأمر الواقع كما يفعل العاجز البائس الذي لا حول له ولا قوَّة، بل هو قوّة م.قا.و.مة داخلية تحفظ توازن النفس عند الهزّاهز والنكبات، وتحمي العقل من التشتت، والإرادة من الانهيار أمام المصائب.
 
حين تقع النكبة قارئي الكريم، تنكشف معادن النفوس، فهناك من تزلزله المصائب، فيغرق في الألم، ويتحوّل إلى كتلة من الشكوى واليأس، وهناك من يعتدل في موقفه، فيحزن كما يليق بالإنسان، لكنه لا ينكسر، بل يحبس آلامه في أعماقه، ويحوّلها إلى طاقة إيجابية تثبّته من جهة، وتحول بينه وبين اليأس، وتبقيه متوثِّباً يتحيَّن الفرصة المؤاتية، وتدفعه إلى تجاوز ما حدث له، فإذا كان كذلك تجاوز النكبة كأنها لم تمرَّ عليه، لا لأنه لم يتألم، بل لأنه لم يسمح للألم أن يلتهم وعيه، أو يُفسد مزاجه، أو يُضعف ثقته بالله.
 
فالإمام أمير المؤمنين (ع) لا يقول: إن من صبر لم يُصَب، بل يقول: كأن لم يُصب، أي أن أثر النكبة لم يتمكّن من عزيمته، ولم يُضعفها، ولم يشلّ إرادته، ولم يبدّد معنوياته.
 
القرآن الكريم يربط بين الصبر على المصائب والنكبات وبين مرورها عليه خفيفة الثقل والوطأة، بل يعتبر الصبر عليها منطلقاً إلى فُرَصٍ يأتيه الله بها، قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿156﴾ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿البقرة: 157﴾.  إن الذين يصبرون على ما يصيبهم، يُصَلِّي الله عليمه وملائكته، وصلوات الله لا تعني الصلاة المتعارفة، ولا الدعاء لهم، بل تعني أن يخرجهم من نَكبتهم بأسهل ما يكون، ويعوِّضهم ما خسروه، ويخفِّف عنهم ألم ما أصابهم، ويرحمهم، ورحمته لهم تعني أن يهيئ لهم السُّبل والأسباب، ويعينهم، ويسددهم، ويتحوَّل بهم إلى آفاق رحيبة، وينقلهم إلى ما لم يكن في حسبانهم.
 
فالصبر قارئي الكريم لا يعني تجاهل المصائب والنكبات، إذ لا يمكن للإنسان المشحون بالمشاعر والعواطف أن يتجاهلها، بل يعني أن يتعامل معها بوعي، وحكمة، وثبات، وعزيمة لا تلين، وإرادة لا تنكسر، إنه قوة معنوية تجعل الإنسان أكبر من الألم، وأقدر على تجاوزه من دون أن يُحوّله إلى إنسان ضعيف بائس.
 
الصابر يرى في النكبة اختباراً لإرادته وعزيمته وإيمانه، ويقينه بقضيته، ولا يراها لعنة عليه، والصابر يرى في البلاء تنقية لنفسه، وتهذيباً لأخلاقه، وتنمية لقدراته، وكاشفاً عن قابلياته.
 
الصابر يرى في النكبات والمصائب تدريباً له على مواجهة المصاعب بوعي وحكمة، ومجهراً يكشف له عن مكامن الضعف والخطأ لديه، فيسارع إلى معالجتها لينطلق نحو غاياته بقوة متجددة.  
 
الصابر لا يسمح للمصائب أن تنال من عزيمته وثقته بنفسه، ولا يسمح للألم أن يقهره ويسلبه إرادته، ولا يسمح للنكبات أن تؤثِّر في خياراته وقراراته، وأن تحول بينه وبين غاياته الكبرى.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha