ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ تَقاعَسَ اعْتَاقَ

22:55 - December 14, 2025
رمز الخبر: 3502817
بيروت ـ إکنا: إنّ الحياة لا تنتظر المتقاعسين؛ فكلّ من تأخّر عن أداء واجبه في وقته، فقد أخرج نفسه من دائرة الذين يصنعونها، وابتعد عن مجال التأثير، بل انحدر من مرتبة الإنسانية الفاعلة التي خُلق الإنسان لأجلها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ تَقاعَسَ اعْتَاقَ".
 
تَقاعَسَ: من الجذر (قَعَسَ)، أي توانى وتباطأ وتأخّر عن الأمر كسلاً، وقيل: هو التثاقل في الشيء مع القدرة عليه، وقيل: التردّد في الإقدام عليه حتى يفوت.
 
وأمّا اعْتاقَ، فهذه الكلمة قليلة الاستعمال في المدونات اللغوية، وليست من الجذر المعروف (عَتَقَ) الذي منه العِتق بمعنى الحريّة، بل وردت في بعض شروح حكم الإمام أمير المؤمنين (ع) على سبيل التفسير السياقي، لا الاشتقاق المعجمي الصريح. وقد فُسِّرت بمعنى: انفصل، وتخلّف، واعتزل الميدان، أي خرج من الصفّ بعد أن كان فيه.

وبملاحظة السياق الذي وردت فيه هذه الكلمة في كلام الإمام (عليه السلام)، يظهر أنّ لفظة (اعتاق) استُعملت للدلالة على الانفصال عن ركب العمل، والخروج من صفّ الفاعلين، والتخلّف عن الواجب بعد التباطؤ عنه.
 
وعليه يكون معنى قوله (ع): "مَنْ تَقَاعَسَ اعْتَاقَ" أي: من تهاون وتوانى عن القيام بما يجب عليه، تخلّف وانفصل عن الجماعة، وخرج من ميدان الفعل والتأثير. فالكلمة الأولى (تقاعس) تدلّ على التراخي والتباطؤ والتواني في البدء، أمّا الثانية (اعتاق) فتدلّ على النتيجة الحتمية، وهي الانفصال والانزواء والخروج من دائرة الفاعلية.
 
فالإمام أمير المؤمنين (ع) يكشف لنا عن حقيقةٍ حاسمة، وهي أنّ التقاعس عمّا يجب يُخرج الإنسان من الميدان، ويحوّله إلى كائنٍ سلبيّ لا تأثير له، لا يساهم في صناعة الأحداث ولا في بناء الحياة. فالتقاعس يسلب الإنسان طموحه، ويُضعف همّته، وينتزع منه إرادته وحريّته في القرار، فيغدو كريشةٍ في مهبّ الريح، تتقاذفها الوقائع، وهو عاجزٌ عن الثبات أمامها.
 
إنّ الحياة لا تنتظر المتقاعسين؛ فكلّ من تأخّر عن أداء واجبه في وقته، فقد أخرج نفسه من دائرة الذين يصنعونها، وابتعد عن مجال التأثير، بل انحدر من مرتبة الإنسانية الفاعلة التي خُلق الإنسان لأجلها.
 
ورُوي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "إِيَّاكَ وَاَلْكَسَلَ وَاَلضَّجَرَ، فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، مَنْ كَسِلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقّاً، وَمَنْ ضَجِرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ" وإنّما كان الكسل والضجر شرّين، لأنّ الكسل يمنع الإنسان من أداء الواجب، والضجر يمنعه من الصبر على الحق، وكلاهما يحطّان من مقام الإنسان في ميدان الحياة. فالحياة معركة متواصلة بين الإرادة والتراخي، وبين المبادرة والتأجيل، وبين النشاط والكسل، ولا يبني الحياة إلا المبادر العامل، الذي لا يضيّع شيئاً من عمره في التواني والإهمال، بل يمضي في دروبها بجدٍّ ووعي، وهمّةٍ عالية، وطموحٍ يتجاوز الدنيا إلى الآخرة.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha