ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ سَاءَ عَزْمُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ

22:16 - September 27, 2025
رمز الخبر: 3501779
بيروت ـ إکنا: إنّ العزم بمعنى القصد والنية هو القوة الباطنية الدافعة التي تدفع الإنسان نحو الفعل، هو بمثابة الشُّحنة التي تدفع الصاروخ فإذا فسدت الشحنة سقط الصاروخ بالقرب من مطلقه فيصبه أو يكاد، وهكذا الحال في العزم إذا فسد العزم، فسد المسار وفسدت النتيجة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ سَاءَ عَزْمُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ".
 
العَزْمُ لغة: القَطْعُ والجَزْمُ، وكُلُّ ما عُقِدَ عليه القَلْبُ وتَيَقَّنَهُ. وأَصْلُه: القَطعُ، وضِدُّه: الشَّكُّ والتَّرَدُّدُ. ويأْتي بِمعَنى القَصْدِ والإِرادَةِ، يُقال: عَزَمَ على السَّفَرِ، أيْ: قَصَدهُ وأَرادَه. ومِنْ مَعانِيه أيضاً: المُضِيُّ في الشَّيْءِ، والحَزْمُ، والجِدُّ، والقُوَّةُ، والمُواظَبَةُ، وغير ذلك.

وفسَّر العلماء العزمَ بأنه: مَرتَبَةٌ مِنْ مَراتِبِ القَصْدِ والإِرادَةِ في القَلْبِ، ومعناه: قُوَّةُ القَصْدِ في القَلْبِ وجَزْمه، أو يُقال: هو المَيْل إلى الشَّيْءِ والتَّصْمِيمُ على فِعْلِهِ. 
 
بعد اتضاح معنى العزم لغة واصطلاحاً، نأتي إلى المعادلة التي يذكرها الإمام أمير المؤمنين (ع) "مَنْ سَاءَ عَزْمُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ" والتي تحتمل معنَيَين اثنين بناءً على المعنيين الذّين ذُكرا للعزم في اللغة.

الاحتمال الأول: بناء على أن معنى العزم القصد والنِّيَّة، ترتسم أمامنا معادلة مهمة وهي: أن العزم (النِّيَّة) إذا كان سَيِّئاً رجع على صاحبه بالسُّوء، وأن نِيَّة السُّوء لا تصيب إلا صاحبها في النهاية، فالعزم السَّيِّءُ سهم يرتد على مُطلقه.
 
فالعزم بمعنى القصد والنية هو القوة الباطنية الدافعة التي تدفع الإنسان نحو الفعل، هو بمثابة الشُّحنة التي تدفع الصاروخ فإذا فسدت الشحنة سقط الصاروخ بالقرب من مطلقه فيصبه أو يكاد، وهكذا الحال في العزم إذا فسد العزم، فسد المسار وفسدت النتيجة، فالسهم الذي يُطلق من يد حاقدٍ أو حاسدٍ يرتدّ على قلبه، كما قيل: لِلَّهِ دَرُّ الحَسَدِ ما أَعْدَلَهُ، بَدَأَ بِصاحِبِهِ فَقَتَلَهُ.
 
فالعزم السَّيئ بناء على الاحتمال الأول هو النية المعقودة على الشر، ومن يعزم على الشرَّ لا يحصد إلا وباله، وهذا ما تشهد له التجربة، ويشهد له الله تعالى في كتابه الكريم في أكثر من موضع، وبتعابير مختلفة، منها قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿يونس: 23﴾.  فهذا نداء للناس جميعاً، وإعلان لهم كلهم -برهم وفاجرهم- بأن البغي والعدوان، هو بغى وعدوان واقع عليهم، وآخذ بنواصيهم، يذوقون عاقبته في حياتهم الدنيا، قبل أن يذوقوا جزاءه في الدار الآخرة.

وقوله تعالى:  مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴿الروم:44﴾.

وقوله تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴿فاطر:43﴾
 
الاحتمال الثاني: أن يكون المراد من سوء العزم التردُّد في اتخاذ القرار وعدم الحسم، فتكون المعادلة: المتردِّد في قراره يُصاب بتردُّدِه، أي يُصاب بالخِذلان، لأنه يُضَيِّع الفرص، ويُتعِبُ نفسه بكثرة التفكير، ولا يتقدَّم خطوة واحدة إلى الأمام. 
 
وقد أشار القرآن إلى هذا البعد حين قال: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴿آل عمران: 159﴾ فالعزم الحازم المقرون بالتوكل هو سبيل التوفيق، أما التردد والخذلان في القرار فمصدر للفشل.
 
وإذاً: سوء العزم في قول الإمام (ع): "مَنْ سَاءَ عَزْمُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ سَهْمُهُ" له وجهان محتملان: فساد النِّيَّة والقصد، وضعف الحزم والتردُّد، وكلاهما يرتَدُّ على صاحبه كسهمٍ طائش، فالعزم السَّيِّء سهم يرتدُّ على صاحبه بالسوء، والعزم الصالح سهم نافذ يفتح له أبواب الخير، فلنحذر من فساد النِّيّات ومن ضَعف العزائم، ولنجعل عزمنا للحقّ والعدل، حتى يَرِدَ سَهْمُنا موارد البركة والرضوان.

بقلم الباحث والكاتب اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha