
ورُوِيَ عن
الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ كَتَمَ الإِحْسانَ عُوقِبَ بِالْحِرْمانِ".
تكشف لنا هذه الجوهرة العلوية الكريمة عن معادلة مهمة تربط بين كتمان الإحسان والعقوبة بالحرمان، إذ لا شك أن إظهار الإحسان يستدعي مزيداً من الإحسان، وإظهار الإحسان يتجلَّى في تجليين اثنين:
إقرأ أيضاً:
الأول: أن الذي يبادر إلى الإحسان والعطاء يُضاعِف الله له الرزق والعطاء، لأن الله يشكر المُحسِن، ويزيده من فضله، باعتباره يُحسن إلى الآخرين مما وهبه الله ورزقه وتفضَّل به عليه، فيكون سبباً يسبِّبه الله لخدمة الناس والإحسان إليهم، ومن المعلوم أن الله تعالى يُسخِّر عباده ليكونوا في خدمة بعضهم بعضاً، فإذا لم يُحسِن من أنعم الله عليه بما في يديه سواء كان ذلك بعدم الإحسان من مال يملكه، أم بعلم يعرفه، أم بنصيحة يُسديها، أم بخدمة يؤديها، فهو مِمَّن كتم الإحسان والفضل الذي في يديه، فيستحق الحرمان.
الثاني: أن الذي يتلَقّى الإحسان، ثم لا يشكره، ولا يُثني على المحسِن، ولا يفشيه في المجتمع، فيكون كاتماً للإحسان الذي تلقّاه، فيستحق الحِرمان، لأن شكر المنعم واجب، وإذا كانت النعم تدوم بالشكر، فإنها تضمحل بعدمه.
وإذاً: فإن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ كَتَمَ الإِحْسانَ عُوقِبَ بِالْحِرْمانِ" يحتمل معنيين متكاملين يجتمعان في صميم التجربة الإنسانية:
المعنى الأول: كتمان الإحسان من جهة المُحسِن، فمَن يملك القدرة على العطاء والإحسان ثم يكتمه عن مستحقيه، إنما يحجب خير الله عن أن يسري في الأرض، فيُعاقَب بحرمانه هو نفسه من ثمرات العطاء والإحسان، يحرمه الله بركة المال، وبركة العمر، وبركة العلم والمعرفة، ويحرمه الله لذَّة العطاء والسخاء والكرم، ويحرمه محبة الناس، بل يحرمه الله البركات كلها، لأن النِّعَم لا تزكوا إلا بالإنفاق، وهذه عقوبة طبيعية، تجري وفق سُنَن الله الجارية المطردة، والتي تفيد أن من يُعطي يُعطى، ومن يُعِن يُعان، ومن يُحسِن يُجازى بالإحسان، والعكس سُنَّة أيضاً، فمن يمنع يُمنَع، ومن لا يعين لا يُعان، ومن لا يُحسِن لا يقابل بالإحسان.
المعنى الثاني: كتمان الإحسان من جهة المُحسَن إليه، فكما أنّ الإحسان يُعطى، فإنه يُستَقبَل، أي أن الإحسان له طرفان: محِسن يُعطي، ومحسَنٌ إليه يتلقّى، فمن تلقّى معروفاً فكتمه ولم يشكره، أو تجاهله ولم يذكره، فقد جحده، والجحود لا يليق بالإنسان العاقل الذي يُقَدِّر العَطاء، ويشكر الإحسان، فهذا يُعاقب أيضاً بالحرمان، لأن الناس -إلا قلة قليلة منهم- لا يكرِّرون الإحسان إلى من يجحده، ويُحرَم من مودتهم لأنهم يرونه جَحوداً كَفوراً لإحسانهم، فضلاً عن حِرمانه من رحمة الله لأن من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخال.
بهذين المَعنَيَين تصبح المعادلة واضحة: المُحسن إذا كتم إحسانه حُرم من بركته، والمُحسَن إليه إذا كتم الشكر على الإحسان حُرِم من دوامه وزيادته، فالإحسان يحتاج إلى مبادرة من المحسن، وشكر من المُحسَن إليه.
بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي