ایکنا

IQNA

جاهلية العلماء ومخاطر صناعة الأوثان

12:38 - November 01, 2025
رمز الخبر: 3502239
بيروت ـ إکنا: لقد تحدّث القرآن الكريم في أكثر من آية عن جاهلية العلماء، ومخاطر ما يمكن أن ينتجه الجهل من مصائب على الناس.

ولقد تحدّث القرآن الكريم في أكثر من آية عن جاهلية العلماء، ومخاطر ما يمكن أن ينتجه الجهل من مصائب على الناس! ولعل البعض يستهجن حقيقة أن يكون العلم جهلًا،وهذا ما عرض له القرآن في توصيفه لحالة أهل العلم وصناعتهم في ما يروّجون له من صنمية ووثنية، حيث قال تعالى:"لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون".

فهؤلاء نسبت إليهم الصناعة، لكونهم علماء، وهذا ما تفيده كل آيات الصنع في القرآن، فلا ينبغي الاستهجان من أطروحة جاهلية أهل العلم، وقد قال الإمام علي(ع) فيهم "الذين تسموا بالعلم وليسوا به".


إقرأ أيضاً:


 فالصناعة مفادها في آيات الله تعالى، الوعي، والعلم، والدراية، والحكمة،وهذا ما نسبه الله تعالى لنفسه، فقال تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء"، فإذا نسبنا الجهل لكثير من العلماء، فليس لأحد أن يُعيب علينا ذلك، طالما أن الله تعالى يأخذ على كثير من أهل العلم صناعتهم البالية،فيتهمهم بأنهم يشكّلون أسبابًا لظهور الإثم والسحت في أوساط الناس، فالله تعالى يقول:"إنما يخشى الله من عباده العلماءُ"، فعلّق الحكم على الوصف، فإذا لم يؤدِ العلم إلى الخشية، كان جهلاً، وكما قال الإمام علي(ع): "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه، وإلا ارتحل عنه".

 وهكذا، فإن جاهلية كثير من أهل العلم، لا تخرجهم عن كونهم يصنعون الأصنام والأوثان، ويفسدون في الأرض، وقد قال الله تعالى عن عالم بني إسرائيل:"واتلُ عليهم نبأَ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها، فأتبعه الشيطان، فكان من الغاوين".(سورة الأعراف، آية:١٧٥).

إن أدنى تدبّر في آيات الله تعالى، لا بد أن يظهر لنا حقيقة ما يصنعه علماء السوء في المجتمعات الإنسانية بشكل عام، وفي تاريخ أهل الإيمان بشكل خاص، من بلاءات ومصائب، ففي حالة التأزم الاقتصادي يبيّن لنا القرآن الكريم سوء صناعة هؤلاء، فيقول في مثال القرية التي كانت آمنةً مطمئنةً، ويأتيها رزقها رغدًا، قال تعالى:"لبئس ما كانوا يصنعون"، بما يفيد أن علماء الاقتصاد والمال، هم سبب الانهيار والضعف الاقتصادي في البلاد، وكذلك الأمر في حالة تجهيل الناس، وتحريف مبادئهم ومعتقداتهم، نجد القرآن يتهم علماء السوء والجهل بصناعة ذلك، كما بيّنا في آية قول الإثم وأكل السحت!

فكل شيء نراه في واقعنا من إصلاح، أو فساد، تعود صناعته إلى أهل العلم، فمنهم من يصنع خيرًا، ومنهم من يصنع شرًا، وخير مثال على ذلك، هو تاريخنا الإسلامي،الذي ابتُليَ بعلماء وفرق الجهل، حتى آل أمر المسلمين إلى أن يكونوا في زلزال من الأمر، وفي بلاء من الشك، بعد أن أخرجهم الإسلام من الجاهلية إلى النور! إن الله تعالى يقول: "لولا ينهاهم الربانيون والأحبار..."، فهل فعل كثير من العلماء ذلك، أم أنهم اختاروا خطوات الشيطان، وصناعة الطاغوت بكل وعي وإرادة وتصميم!؟

لقد بيّن الإمام الحسين(ع) في أخطر خطاب له مع علماء السوء، وكان ذلك في موسم الحج في منى بعد وفاة أخيه الإمام الحسن(ع)، فقال لهم:"اعتبروا بما وعظ الله تعالى به أولياءه من سوء ثنائه على الأحبار، إذ يقول:"لولا ينهاهم الربانيون والأحبار..."،فالله تعالى عاب عليهم ذلك، لكونهم كانوا يرون المنكر والفساد من العلماءوالظلمة، ولا ينهونهم عن ذلك، رغبةً بما ينالونه منهم، ورهبةً مما يحذرون، والله يقول:"ولا تخشوا الناس واخشونِ..". فالقرآن الكريم، يقدّم لنا هذا الموقف حتى يكون الناس على بيّنة من أمورهم، وعلى وعي بما يرشدهم إليه العلماء من خير، أو شر،فإذا كانت الأمور قد التبست على الناس في اختيار الموقف، أو في حقيقة الانتماء إلى الدين، فهذا إنما حصل نتيجةما تسبّب به العلماء، لأنهم اتخذوا لأنفسهم مواقع التوعية والإرشاد، بل وما هو أعظم من ذلك، إذ كانت لهم موقعية الفتوى والحكم والبلاء الأعظم في الدين والدنيا!

ولا يكاد ينقضي عجبنا من ما مارسه كثير من العلماء بحق القرآن، حينما انبرى هؤلاء للتفسير والتأويل ، فضلوا وأضلوا، وكانت نتيجة ذلك ظهور مخاطر الوثنية والصنمية في الدين والسياسة! وتاريخنا الديني يشهد على ذلك، إذ لم تبق مدرسةدينية، أو فرقة، أو مذهب، إلا واتخذت لنفسها منبرًا للفتوى باسم الدين والقرآن!

وكأنهم لم يسمعوا بقول الله تعالى:"أن أقيموا الدين، ولا تتفرقوا فيه".! نعم، إن العجب لا ينقضي مما صنعه علماء السوء في حياة الناس للتلبيس عليهم في أمور الدين والدنيا! فانظروا إلى حالة مجتمعاتنا اليوم، لتروا كم هو موغلٌ هذا الجهل العلمي في حياة أهل الإيمان قاطبةً، إذ لم يبق مقدّس إلا ودنّسه أعداء الدين والإنسانية!

فهل شعر أحدنا بوجود علماء ينتفضون لشرف، أو قيمة، أو كرامة، فالأعراض تنتهك، والبلاد تنهب، وأهل فلسطين يبادون على أيدي المستعمرين، ولا نكاد نسمع إلا بفتاوى الشرذمة والتقسيم، فهذه بلاد المسلمين، من السودان، إلى ليبيا، إلى لبنان، وسوريا، والعراق، ويكفينا من هذه البلاد غزة فلسطين، فهل سمعنا لأعراب الأمة وعلمائها ركزًا،؟ لقد ماتت كل السنن، لتحيا البدع في أكثر مدارسنا وجامعاتنا الدينية والعلمية!

إنها الصناعة التي أدانها القرآن، وحذّر من مخاطرها لما تنتجه من صنميات وأوثان حجرية وبشرية! هذه هي دلالة الصنع في القرآن، وكم لها من آثار ومفاعيل في حياتنا الدينية والسياسية! فإذا كان لا بد من تغيير الموقف، فذلك يقتضي أولًا وقبل كل شيء، تعقّل معنى وحقيقة الموقف الديني، لمعرفة من يصدر عنه حقيقةً، وإلا استحال الرتق على الراقع! وقد بيّنت لنا تجارب المسلمين، كيف أن العلماء الربانيين لم يقصّروا في قيامهم، وفي إدانتهم لكل مظاهر الطاغوتية في حياة المسلمين، وكثيرون هم الذين استشهدوا في طريق الحق، غير عابئين بكل علماء السوء الذين تسيّدوا على الناس بالعلم والدين، وكانوا في حقيقة أمرهم وبالًا على الدين والناس! لقد قالها الإمام الحسين ع، وهو في الطريق إلى كربلاء، مخاطبًا علماء الجهل والسوء، قائلًا لهم:"من يُعرف بالله فلا تكرمون، وأنتم بالله في عباده تكرمون". وكما قال تعالى:" إنما صنعوا كيدُ ساحرٍ، ولا يُفلحُ الساحرُ حيثُ أتى". والسلام.

بقلم أ. د. فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان 

captcha