ایکنا

IQNA

البِشْرُ من مصاديق حُسنِ الخُلق

12:08 - December 31, 2022
رمز الخبر: 3489265
بيروت ـ إکنا: البِشْرُ من مصاديق حُسنِ الخُلق، وهو فعل مستحسنٌ عند جميع الناس الذين يميلون إلى التعامل مع الذي يلقاهم بوجه بسَّام بشوش، ولذلك نراه جَلِياً في مكارم أخلاق الأنبياء والأولياء والأخيار والصُّلَحاء.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "البِشْرُ ابْتِداءُ صَنيعَةٍ بِغَيْرِ مَؤنَةٍ"

البِشْرُ: هو السرور الذي يظهر على وجه الإنسان، والتعامل بوجه طَلقٍ وبشوش، والصَّنيعَةُ كلُّ ما عُمِلَ من خيرٍ أَو إِحسان والجمع: صَنائعُ.

أجزم قارئي الكريم أنك صادفت في حياتك الكثير من الناس في أحوال مختلفة، منهم من لاقاك بوجه بشوش مستبشر، فأراحك، وخفَّف عنك، وأدخل إلى قلبك السرور والغبطة، ومنهم من لاقاك وجهة مكفهرّ عابِسٍ فأرهقك وأتعبك، وأدخل إلى قلبك الحزن، وربما اليأس أيضاً، الأول ترك في ذهنك صورة جميلة مشرقة، أما الثاني فترك فيه صورة قاتمة كالحة، وأنت لم تنسَ الصورتَين.

البِشْرُ من مصاديق حُسنِ الخُلق، وهو فعل مستحسنٌ عند جميع الناس الذين يميلون إلى التعامل مع الذي يلقاهم بوجه بسَّام بشوش، ولذلك نراه جَلِياً في مكارم أخلاق الأنبياء والأولياء والأخيار والصُّلَحاء، ويعتبر سِمَةً بارزة من سماتهم الأخلاقية الراقية، فقد رُوِيَ عن رسول اللّه (ص) أنه قال: "إنَّ مِنْ مَكارِمِ أخلاقِ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ، البَشاشَةَ إذا تَزاوَروا، وَالمُصافَحَةَ وَالتَّرحيبَ إذَا التَقَوا". وكان رسول الله (ص) كما وصفه معاصروه دائمَ البِشر، سَهل الخُلُقِ، لَيِّن الجانب. ووصف معاصرو الإمام أمير المؤمنين (ع) بأنه كان بِشرُهُ دائِمٌ، وثَغرُهُ باسِمٌ.

وللبشر آثار عظيمة على المَرء وعلى ما يلقاه، فهو يقدمه شخصاً طيّباً لطيفاً ودوداً مُحِباً أليفاً واثقاً من نفسه، الأمر الذي يريحه ويريح الذين يتعامل معهم، فلا يتعاملون معه بقلق وتوتر وريبة، بل بأنس وإلفة، وبذلك تتهيّأ بينه وبينهم أرضية للثقة والطمأنينة والتعاون الصادق، بل إن البشر يشعُّ على نفسه بالسكينة وعلى وجهه بالنورانية والجمال والألَق، رُوِيَ عن الإمام الباقر (ع)أنه قال: "البِشرُ الحَسَنُ وطَلاقَةُ الوَجهِ مَكسَبَةٌ لِلمَحَبَّةِ وقُربَةٌ مِنَ اللّهِ، وعُبوسُ الوَجهِ وسوءُ البِشرِ مَكسَبَةٌ لِلمَقتِ وبُعدٌ مِنَ اللّهِ".

ثم إنه قد يأتيك إنسان في حاجة يعَوِّلُ بعد الله عليك في قضائها له، فالقَه بوجه بشوش، وبسمة صادقة، والتَّبَسُّم في وجه الأخ صَدَقة، ولعل تلك البسمة على بساطتها تخفف عنه الكثير، وقد تدفعه عن فعل خطير يؤذي به نفسه، وتذكر ما قاله الإمام أمير المؤمنين (ع): "البِشْرُ ابْتِداءُ صَنيعَةٍ بِغَيْرِ مَؤنَةٍ"، إن طلاقة وجهك وبِشرَهُ فعل خير وإحسان إلى أخيك من دون كلفة، فما أيسره من فعل، وما أجزله من إحسان، بسمة واحدة يراها الطرف المقابل إحسانا إليه، وكم يريحه هذا الفعل البسيط الذي لا يتطلب جهدا، لكنه عظيم في آثاره وبركاته، ولهذا أوصى رسول الله (ص) بني جِدِّه بأن يَلقَوا الناس بالبشر حيث قال: "يا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ، إنَّكُم لَن تَسَعُوا النّاسَ بِأَموالِكُم، فَالقَوهُم بِطَلاقَةِ الوَجهِ وحُسنِ البِشرِ". إن المال مهما كثُر تُنقصه النفقة وقد يأتي يوم لا يكون معك مال، أما البِشر فكالنبع كلما أطلقت وجهك به زاد وفاض، وأراح وسَرَّ.

وفي النصوص الشريفة نجد التأكيد على أن البِشْرَ أوَّلُ البِرِّ والنَّوالِ والعَطاء، وأنه أسهل السَّخاء إذ لا كلفة فيه، وأنه أحدُّ العَطاءَين، والعطاء الثاني هو المال أو الصَّنيعة التي تصنعها لأخيك، وأنه أحدُ البِشارَتَين، والثانية هي العطاء الذي تعطيه إياه. 

فإيّاك قارئي الكريم أن تُقَلِّل من أهمية البِشْرِ في وجه من تلقاه، فقد عرفت آثاره مما سبق، وتذكر ما حصل لك مع آخرين ممن أتيتهم وأنت مُثْقَل بالهموم مُجهَداً بالمتاعب والأحزان فلقيك أخوك بوجه طلقٍ فأراحك وخفف عنك، لقد كان ذلك معروفاً نفسياً أسداه إليك، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "لا تُحَقِرَنَّ شَيئاً مِنَ المَعْروفِ، وأَنْ تُكَلِّمَ أَخاكَ وأَنتَ مُنبَسِطٌ إلَيهِ وَجهَكَ، إنَّ ذلِكَ مِنَ المَعْروفِ". 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha