ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

التَّأَنّي من الخِصال الأخلاقية الحميدة، والسَّجايا الفاضلة

9:58 - January 07, 2023
رمز الخبر: 3489379
بيروت ـ إکنا: یعتبر التَّأَنّي من الخِصال الأخلاقية الحميدة، والسَّجايا الفاضلة، التي يتميز بها الإنسان الأخلاقي، والتي يجب أن تكون صِفة لازمة للمؤمن، لأنها من صفات أصحاب العقل والرزانة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْمُتَأَنّي حَرِيٌّ بِالإِصْابَةِ".

التَّأَنِّي: التَّثبُّتُ، واجتناب العَجَلَةِ في الحكم على الأشياء، والأمور، والمبالغة في الرِّفق بها، والتَّسبُّب إليها، وبكلمة أخرى: التأنِّي: التَّمَهُّل، وترك الاستعجال في تدبير الأمور، وطلب الأشياء، والحكم على الأحداث، وقبول الأخبار، فيفعل كل شيء في وقته المناسب له، دون تأخير مضر، أو عَجَلة قبيحة، وهو تصرف حكيم متزن بين العجلة المذمومة والتباطؤ المذموم.

والتَّأَنّي من الخِصال الأخلاقية الحميدة، والسَّجايا الفاضلة، التي يتميز بها الإنسان الأخلاقي، والتي يجب أن تكون صِفة لازمة للمؤمن، لأنها من صفات أصحاب العقل والرزانة، بخلاف العجلة، فإنها من صِفات أصحاب الرُّعونة والطيش، ومن فضل هذه الصِّفة الكريمة أنها من صِفات الفعل الإلهي، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق العالم في أقل من طرفة عين، إلا أن حكمته اقتضت أن يخلقه على مراحل لعدم قابليته للخلق الدفعي، كما أن الله سبحانه حليم ذو أناة كما جاء في الأدعية الشريفة، ومعناه: أنه لا يَعجَل في عقاب المفسدين، بل يمهلهم رحمة منه بهم، عسى أن يعودوا إلى رشدهم ويكُفّوا عن الإفساد في الأرض، ويرجعوا عن الظلم الذي يكون منهم لأنفسهم أو لغيرهم. وهذا ما يجب أن يتخلق بهم الإنسان خصوصاً المؤمن الذي يعتقد بأن الله مثله الأعلى، فيتأنَّى في أموره الدنيوية كلها، ويحلم عمَّن يُسيء إليه، ولا يَعجَل في البَتِّ بأٍمر قبل أن تتضح له جميع جوانبه وظروفه.

مِمّا سبق يتبين أن التَّأنّي حاجة فعلية للإنسان، كي تستقيم حياته، وتتأمَّن مصالحه المادية والمعنوية، فإن للتَّأَنِّي بركات عظيمة ذكر الإمام أمير المؤمنين (ع) واحدة منها وهي: أن يصيب المتأني الواقع بفعله وحكمه، "الْمُتَأَنّي حَرِيٌّ بِالإِصْابَةِ". ولذلك حَثَّ رسول الله (ص) المؤمن على التأنِّي والتُّؤَدَة، في جميع أحواله، خصوصاً حين يريد أن يختار أمراً من أمور، أو يأخذ قراراً من القرارات، أو يحلّ مشكلة، فقد جاء عنه: "إذا أَرَدْتَ أَمْراً فَعَلَيكَ بِالتُّؤَدَةِ، حَتّى يُرِيَكَ اللّهُ مِنهُ المَخرَجَ، أو حَتّى يَجعَلَ اللّهُ لَكَ مَخرَجا" فالتأنّي يصون الإنسان من الوقوع في الخطأ والزلل، ونتيجة ذلك تكون السلامة والأمن، والاستقرار النفسي، ومع التأني تتسهَّل الأسباب، فرب سبب لا يكون اليوم أوانه فيأتي في أوانه، ومعه يكون الفوز والانتصار.

وينشأ التأنّي من كمال العقل، فالعاقل يعلم أن لكل أمر أسبابه التي يجب أن تتكامل وتتظافر كي يكون، ومن دونها لا يكون، ويعلم أن لكل أمر أوانه فلا يتعجل به قبله ولا يؤخره عنه، كما ينشأ التأني من الإيمان، لأن الإيمان يدعو الإنسان إلى التثبت والتبين كي لا تأتي أفعاله ناقصة، وأحكامه غير مصيبة للواقع، فيقع في الظلم والظلم قبيح، والإيمان لا يقبل من المؤمن أن يفعل قبيحاً، وقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص): "المُؤمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ وَقّافٌ، ثَبتٌ لا يَعْجَلُ..."، كذلك يعتبر علوُّ الهِمَّة أحد مناشئ التأنّي، فلكما عَلَتْ هِمَّة المَرْءِ وكانت طموحاته أبعد مدى كان أكثر حلماً وتأنياً، فقد جاء عن الإمام عليّ (ع) : "الحِلمُ وَالأَناةُ تَوأَمانِ يُنتِجُهُما عُلُوُّ الهِمَّةِ"

وينبغي أن يُعلَمَ أن من التأني ما يكون مذموماً وذلك بأن يتثاقل المَرء عن الواجبات الدنيوية والأخروية التي لا يمكن تأخيرها، فقد جاء عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: "التُّؤَدَةُ في كُلِّ شَيءٍ إلّا في عَمَلِ الآخِرَةِ" وعنه (ص): "الأَناةُ في كُلِّ شَيءٍ خَيرٌ إلّا في ثَلاثٍ: إذا صيحَ في خَيلِ اللّهِ فَكونوا في أوَّلِ مَن يَشخَصُ، وإذا نودِيَ بِالصَّلاةِ فَكونوا في أوَّلِ مَن يَخرُجُ، وإذا كانَتِ الجِنازَةُ فَعَجِّلُوا الخُروجَ بِها، ثُمَّ الأَناةُ بَعدُ خَيرٌ، ثُمَّ الأَناةُ بَعدُ خَيرٌ". 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha