ایکنا

IQNA

جواهر علوية...

الحَقُّ هو روح المؤمن ودافعه وغايته

12:07 - December 24, 2022
رمز الخبر: 3489168
بيروت ـ إکنا: علاقة المؤمن بالحَقِّ ليست علاقة نَفعيَّة مَصلحية، بل علاقة مبدئية قيَمية متجذِّرة في كيانه ومشاعره، الحَقُّ هو روح المؤمن ودافعه وغايته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "المَغْلوبُ بِالحَقِّ غالِبٌ"

علاقة المؤمن بالحَقِّ ليست علاقة نَفعيَّة مَصلحية، بل علاقة مبدئية قيَمية متجذِّرة في كيانه ومشاعره، الحَقُّ هو روح المؤمن ودافعه وغايته، وإنه ليعرف أن الله هو الحَقُّ وما سواه باطل، ويعرف أنه خلقه كما الكون كله بالحَقِّ، وأنه والكون قائم على الحَقِّ، وأن الحَقَّ غايته ومعه الكون كله، فلا يحيد عن الحِقِّ ما عاش، ولا يرضى بغيره ولو أُعطِيَ الدنيا كلها، لأنها باطل زائل، والحَقُّ هو الحق الذي لا يزول ولا ينتهي.

والحَقُّ: هو المُطابَقة والمُوافَقة، فإذا طابق الحكم الواقع كان حقاً، ويقابله الباطل، ويطلق أيضاً على الشيء الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره، ولذلك يُطلق على الله تعالى (الحق) قال تعالى: "ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ"﴿62/ الحج﴾  فالله تعالى هو الحقيقة الثابتة التي لا سبيل إلى إنكارها، فالكون كله يشهد لها، وحتى جحود الجاحدين فهو دليل على وجوده تعالى لأن الجحود  هو إنكار ما يعلمه الشخص، ولا يعني عدم الوجود، ولذلك يعجز الجاحدون عن الإتيان بدليل واحد يثبتون به عدم وجود الله تعالى. 

والحَقُّ يُقال على أوجه:

الأول: يُقالُ لِمُوجِدِ الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة، فالخالق تعالى هو الحَقُّ لأنه يوجِدُ الأشياء بحكمة، ويدّبِّرُ الكون بحكمة، ويأمر وينهى بسبب ما تقتضيه الحكمة.
الثاني: يقالُ للمُوجَدِ بحسب الحكمة، أي أن الحكمة قضت بوجوده فأوجده الله تعالى، قال سبحانه: "...مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ..."﴿5/ يونس﴾. 
الثالث: يُقالُ في الاعتقاد المُطابق للواقع، فمن اعتقد بشيء وكان ذلك الشيء كما اعتقد به واقعاً فاعتقاده حَقٌّ، قال تعالى: "...فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ..."﴿213/ البقرة﴾.
الرابع: يُقالُ للفعل والقول الذي يكون بحسب ما يَجِبُ، وبقَدْرِ ما يَجِبُ، وفي الوقت الذي يَجِبُ، كقولنا: فِعلُكَ حَقٌّ، وقولك حَقٌّ.

ولا شكَّ في أن المؤمن الحِقّ هو ذاك الذي يؤمن بالله وهو الحَقّ، وعقيدته حَقٌ أثبتتها البراهين الساطعة والحجج البَيِّنة، وفعله وقوله حَقٌ، يفعل ويقول ما يجب، وبقدر ما يجب، وفي الوقت الذي يجب، وهو يطلب الحَقَّ ما عاش في هذه الدنيا، ويدعو الله أن يعرفه إيّاه إن جَهِله، وأن يوَفِّقه لحمله حين يعرفه، "اللّٰهُمَّ مَا عَرَّفْتَنا مِنَ الْحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَمَا قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ". إنه ليقف مع الحَقِّ وينصره، ويصدع به، ويدعو إليه، والعمل بالحق أحبُّ إليه -وإن كان في ذلك تفويتاً لفُرَصٍ ينتظرها أو ضَرَرٍ أو خسارة- من الباطل وإن جَرَّ إليه فائدة.

وإنه لَيَقبَلُ الحَقَّ ويُسَلِّمُ له، سواء كان له أم كان عليه، ولا يرى نفسه مغلوباً بل غالباً، لأن هدفه الحَقّ وحسب، فإن كان له فِنَعمَة يشكرها، وإن كان عليه فحَقٌّ يؤَدّيه وينتصر له، رَوى الإمام علِيٍّ (ع) عن رسول الله (ص) أنه قال: "السّابِقونَ إلى‏ ظِلِّ العَرشِ طُوبى‏ لَهُم. قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ، ومَن هُم؟ فقالَ: الّذينَ يَقْبَلونَ الحقَّ إذا سَمِعوهُ، ويَبْذُلونَهُ إذا سُئِلوهُ، ويَحْكُمونَ للنّاسِ كحُكْمِهِم لأنفُسِهِم"

إنَّ الإنسانية اليوم أحوج ما تكون إلى الحَقِّ في كل مجال من مجالات الحياة، فقد انحرف الكثير من البشر عنه، وها هو الباطل يفشو في العالم وعلى مختلف الصُّعُدِ، تواكبه مؤسسات سياسية وفكرية وتربوية ومالية وإعلامية تروِّج له بالتقنين والتشريع تارة، وبالتزيين والإبهار تارة أُخرى وتقديمه بلباس التطور والتقدم، وبالهجوم على الحق وأهله ونعتهم بأوصاف التخلف والرجعية.

الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

أخبار ذات صلة
captcha