ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

النبي محمد(ص) هو المصداق الأمثل لأصحاب النفوس الشريفة

15:17 - January 02, 2023
رمز الخبر: 3489308
بيروت ـ إکنا: إن رسول الله محمد (ص) هو المصداق الأمثل لأصحاب النفوس الشريفة الذين لا تثقُل عليهم المؤونات الذي كابد وناضل وعانى ما عانى حتى قال: "ما أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ ما أُوذِيْتُ".

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "النَّفْسُ الشَّريفَةُ لا تَثْقُلُ عَلَيْهَا المَؤوناتُ"

كما الجبل في علوه وارتفاعه، وشموخه وسُمُوِّهِ، وثباته ورسوخه، وقُوَّتِه وصلابته، يكتنز في بطنه ثروات وخيرات، ومياه وبحيرات، تتفجر منه ينابيع مياه صافية، وتنحدر عنه سيول جارفة، ولا ترقى إليه إلا الطيور العظيمة، ثم هو وَتَدٌ من أوتاد الأرض يوطِّدها ويثبتها ويحافظ على توازنها في جريانها.

كذلك النفس الشريفة عالية سامية، مجيدة تليدة، عزيزة نبيلة، قوية صلبة، لا تثقل عليها المؤونات، ولا تؤثر فيها النكبات، ولا تعصف بها الابتلاءات، ولا تنال منها المصائب والأحزان، ولا تنكل أمام التضحيات. 

و النفس الشريفة ذات هِمَّة عالية، وطموح بعيد، لا ترضى بالقليل من الإنجازات، ولا بالقريب من الأهداف، تعلم أن كل إنجاز يحتاج إلى تضحية فتضحي، وعطاء فتعطي، وتعبٍ فتتحمل التعب، ومعوقات فتتخطاها، ومِحَنٍ فتصبر عليها، وأثمان فتدفعها، وتعلم أن الإنسان يُعرَفُ بأهدافه، كلما سَمَت سَما، وكلما عَظُمَت عَظم، فتتجاوز بأهدافها الأنانية إلى الإنسانية، والفردية إلى الجَماعِيَّة، والدنيوية إلى الأخروية.

إنها تتطلع إلى نهاية الرحلة الإنسانية ولا تقف عند بداياتها، نهاية الرحلة هي الله، والرجوع إليه في العالَم الموعود، وتعلم أن بلوغ تلك الغاية الأشرف والأنبل لا يكون دون مؤونة وكلفة، فلا تستثقلها ولا تنوء بها، بلغت ما تبلغ، ما بين بداية الرحلة ونهايتها مسار طويل من العمل والجهد والطاعة والالتزام والقيام لله، مسار طويل من العبادة على أنواعها، والراغب في لقاء الله لا تثقل عليه الطاعات ولا المؤونات، الراغب في لقاء الله يرى كل طاعاته قليلة قليلة، يراها لا تفي بشكر واحدة من نَعَم الله عليه، لذلك تراه يملأ كل أوقاته بما يفيده في تلك الرحلة، كل لحظة من لحظاته طاعة، والطاعة زاده لرحلته، تراه يقوم الليل ويعمل في النهار، يعبد الله في النهار في طلب معاشه وخدمة عباده، ويعبده في الليل بالتَّهَجُّد والذكر والصلاة، ولا يرى في ذلك ثقلاً كما يراه المتكاسلون المتثاقلون، بل تخفُّ روحُه، وترهُف مشاعره، ويزهو قلبه. 

إن رسول الله محمد (ص) المصداق الأمثل لأصحاب النفوس الشريفة الذين لا تثقُل عليهم المؤونات الذي كابد وناضل وعانى ما عانى حتى قال: "ما أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ ما أُوذِيْتُ" ورغم ذلك لم يهادن ولم يتراجع، وعُرِضَت عليه عروض مالية واجتماعية يرغب فيها معظم الناس شرط أن يتنازل عن شيء من دينه، أو يغضَّ الطرف عن عقيدة المشركين، فأبى ولو كان الثمن لذلك أن توضَع الشمسُ في يمينه والقمر في يساره، فلم تثقل عليه مؤونة حمل رسالة الله، ولا مؤونة الدعوة إليها، ولا مؤونة تجسيدها، وكان يقوم الليل متعبدا متهجداً، وحين تقول له إحدى زوجاته لِمَ تُتعِبُ نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخَّر؟!، فيجيبها: "أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكوراً".

إن أصحاب النفوس الشريفة هم الذين يصنعون الحياة، وهم الذين يبنون المجتمعات والدول، وهم الذي يحررون الأوطان من المحتل والمعتدي، وهم الذين يدافعون عن الناس وعن حقوق الناس، ويدفعون الأذى والظلم عنهم، ولا يعبؤون بالأثمان الغالية التي يدفعوها في هذا الطريق، بل تزيدهم إصراراً على المُضيِّ عليه، هكذا كان الروّاد الأوائل الذين قام الإسلام على همتهم وسواعدهم وإخلاصهم وتضحياتهم، وهذا ما تحدث به أمير المؤمنين (ع) مع أصحابه في صِفِّين حيث قال: "وَلَقَدْ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، نَقْتُلُ آبَاءَنا وَأَبْنَاءَنَا وَإخْوَانَنا وَأَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذلِكَ إلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً، وَمُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَصَبْراً عَلى مَضَضِ الْأَلَمِ، وَجِدّاً عَلى جِهَادِ الْعَدُوِّ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنا يَتَصَاوَلاَنِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا: أيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ المَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا، ومَرَّةً لِعَدُوِّنا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلاَمُ مُلْقِياً جِرَانَهُ وَمُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ، وَلَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَلاَ اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ".

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha