ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "الْحَياءُ يَمْنَعُ الرِّزقَ".
الحَياءُ: تَغَيُّرٌ في النَّفْسِ بِسَبَبِ تَعْظِيمٍ ونَحْوِهِ يَمْنَعُها مِن فِعْلِ شَيْءٍ، أو تَرْكِهِ؛ حَذَراً مِن اللَّوْمِ أو الذَّمِّ، وهو على قسمين:
القسم الأول: الحَياء الذي ينشأ من العقل والفِطنة، وهو صِفة ممدوحة، وخُلُقٌ كريم يجب أن يتخلق المَرءُ به ، والمؤمن خصوصاً، وقد مدحه القرآن في أكثر من آية كريمة، ومدحته السُنَّةٌ الشريفة في الكثير من الروايات، وبيّنت أهميته، وأنّه رأس المكارم، وأنه لا إيمان لمن لا حَياءَ له، وله آثار تنعكس على نفسية المَرءِ كالعِفَّة، ومَحو الذنوب، وأنه ينشأ من وفور العقل وقوة الإيمان.
القسم الثاني: الحَياء الذي ينشأ من الحَماقة والبَلاهة، وضَعف الشخصية، وقِلَّة أو انعدام الثقة بالنفس.
وقد ذكرت الروايات الشريفة هذه القسمين، فقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: "الحَياءُ حَيَاءانِ، حَياءُ عَقْلٍ، وَحَياءُ حُمْقٍ، فَحَياءُ العَقْلِ هُوَ العِلْمُ، وَحَيَاءُ الحُمْقِ هُوَ الجَهْلُ"*. وعنه (ص) أنه قال: *"الحَيَاءُ عَلى وَجْهَيْنِ، فَمِنْهُ الضَّعْفُ، وَمِنْهُ قُوَّةٌ وَإِسْلاٌم وَإِيْمانٌ"
إن قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "الْحَياءُ يَمْنَعُ الرِّزقَ" قد يكون ناظراً إلى القسم الثاني من قِسمَي الحَياءِ، والمراد منه أن الحَياء الناشئ من الحَماقة والبَلاهة قد يمنع الرزق، لأنه قد يُفَوِّت على المَرءِ الكثير من الفُرَص التي يمكن أن يستفيد منها لولا حيائه، مثل أن يمتنع عن الاشتغال بمِهنة قد تَدُرُّ عليه الكثير من المال، لتوَهُمِه أن من العيب أن يعمل بها، أو أنها لا تليق به، أو لرغبته بمهنة أخرى يرى أنها أشرف وأنبل، فيُحرم الرزق ويعاني شظف الفقر بسبب ذلك.
والحَقُّ أن هذا القسم من الحياء كثير في أوساطنا، إننا نرى الكثير منا يفضِّل الفقر والحاجة على العمل بمهنة متواضعة، أو بأجرٍ متواضع، تراه لا يستحي من مَدِّ يده للناس يسألهم الصدقة والعَطية، ويستحي من العمل في تلك المهنة، رغم أن العمل فيها ليس عيباً ولا فيه إهانة للعامل!، وهناك من يستحي بما يملك، وما يلبس، وما يسكن، وما يستقِلُّ من مركبات، فيقترض المال ويرزح تحت أعباءِ الدَّيْنِ ليقدم نفسه للآخرين ثرياً غَنياً وهو ليس كذلك.
وقد يكون كلام أمير المؤمنين (ع) ناظراً إلى أن صاحِبَ الحَياءِ قد يحرم نفسه الكثير من الرزق لأنه يستحي أن يُظهِرَ حاله لأحد، فهو عفيف النفس لا يشكو لأحد، ولا يطلب من أحد، ولا يستعطي أحداً، فيحسبه الآخرون غنياً والحال أنه فقير، كما قال تعالى: "...يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا"*﴿273/ البقرة﴾. فهؤلاء معوزون، ولكن كرام نُبلاء، يمنعهم حياؤهم من إظهار فقرهم وحاجتهم، وتُمسِكُ بهم كرامتهم أن يسألوا العَون من الناس، إنهم يتجَمَّلونَ كي لا تظهر حاجتهم، ويتعففون كي لا يبدو فقرهم، فيحسبهم الجاهل بحالهم أغنياء في تعففهم وحيائهم.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي