ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

الدنيا مُتاحة لجميع خلق الله

14:42 - March 11, 2023
رمز الخبر: 3490313
بيروت ـ إکنا: إن الدنيا مُتاحة لجميع خلق الله، فإن الله قد ضَمِنَ الرِّزق لكل من خلقه ويخلقه، إنه سبحانه يفيض رزقه على البِرِّ والفاجر، وعلى المؤمن والكافر، وعلى المطيع والعاصي، لطفاً منه ورحمة، وفضلاً ونِعمة، فكلهم خلقه، وكلهم محتاجون إليه، ورحمته تعالى تتسع لهم جميعاً.

جواهر عَلَويَّةٌ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِنَّ اللّهَ سُبْحانَهُ يُعْطِي الدُّنْيا مَنْ يُحِبُّ ومَنْ لا يُحِبُّ، وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلاّ مَنْ يُحِبُّ"

أن تنالَ في الدنيا ما تريد من مال وجاه ومتاع ورزق ونِعمة ووفرة في الخيرات وكثرة في البركات فليس ذلك دليلاً على أن الله يحبُّك، وأن يَقِلَّ رزقك فيها، ولا يكون لك كل ما تريد وترغب به، ليس دليلاً على أن الله لا يُحِبك، والسبب في ذلك أمران:

الأمر الأول: لأن الدنيا مُتاحة لجميع خلق الله، فإن الله قد ضَمِنَ الرِّزق لكل من خلقه ويخلقه، إنه سبحانه يفيض رزقه على البِرِّ والفاجر، وعلى المؤمن والكافر، وعلى المطيع والعاصي، لطفاً منه ورحمة، وفضلاً ونِعمة، فكلهم خلقه، وكلهم محتاجون إليه، ورحمته تعالى تتسع لهم جميعاً، بعيداً عن موضوع الاستحقاق القائم على قاعدة العمل والسعي، لأن رحمته تعالى تنطلق من قاعدة التفضل، والفضل كله له، فمثله تعالى لا يكون منه إلا الفيض والعطاء، فعطاؤه يشمل الجميع تماما كالشمس التي تطلع عليهم جميعا،  قال تعالى: "كُلًّا نُمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا"﴿20/ الإسراء﴾.

إن الحياة في الأرض لا تليق بالإنسان وحسب بل تليق بالحشرات والديدان والزواحف والطيور والحيوان، والشجر والنبات، والحياة تحتاج إلى عطاء الله ومَدَدِه، فمن دونهما لا تكون حياة أبداً وذلك يقتضي في رحمته تعالى أن ينعم عليهم جميعاً، وأن يمدهم بحاجاتهم جميعاً.

ثم إن الله إذ يعطيهم جميعاً فإنه يحتَجُّ عليهم بما يعطيهم، ويزيلُ منهم العذر، وللهِ الحُجَّة البالغة، فضلا عن أنه سبحانه يبتليهم بما يعطيهم، ويختبرهم بما يرزقهم، فإن هم شكروه، والعقل يوجب شُكر المنعم، فازوا وأفلحوا، وإن هم جحدوا نعمته وكفروا رزقه فليتحمّلوا تبعات جحودهم وكفرهم. 

الأمر الثاني: إن الله تعالى جعل الحصول على الرزق في الدنيا مشروطاً بالسَّعي والعمل والأخذ بالأسباب، فإن سعى الكافر والعاصي وعمل وأخذ بالأسباب حصل على ما يريد، أما المؤمن فإيمانه ليس عِلَةً تامة لحصوله على الرزق، إيمانه ليس سبباً كافياً لينال ما يريد من الدنيا، فلو كان كامل الإيمان ولكنه لم يَسعَ ولم يأخذ بالأسباب فلن يحصل على ما يرغب من رزق، على أن إيمانه لا يكتمل إذا لم يَسعَ ويعمل، وكيف يترك السعي وقد أمر الله به، وكيف يقعُد عن الطلب والله يقول له: "فَاسْعَوا في مَنَاكِبِها" 

وإذا "إِنَّ اللّهَ سُبْحانَهُ يُعْطِي الدُّنْيا مَنْ يُحِبُّ ومَنْ لا يُحِبُّ" يعطيهم جميعاً باستحقاق وبغير استحقاق، فضله ورحمته يعمانهم جميعاً، "وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلاّ مَنْ يُحِبُّ" والمراد من الدين هنا التوفيق للتدين والالتزام بالدين، وليس المراد أن الله يختص بالدين فئة معينة من الناس، لا، الأمر ليس كذلك، فالأنبياء يبعثهم للناس كافة، والشريعة للناس كافة، وجميعهم يدلُّهم الله إلى الصراط المستقيم، وجميعهم يهديهم النَّجدَين، نَجد الخير ونَجد الشَّرِّ، وعليهم جميعاً أن يؤمنوا بالنبي والرسالة، وأن يلتزموا بالشريعة الإلهية، وأن يختاروا نجد الخير.

ولكنه تعالى يترك لهم أن يختاروا ذلك بإرادتهم ولا يُكرههم على خيار معين، فمن يختَرْ منهم نجد الخير والإيمان بالنبوة والرسالة والالتزام بالشريعة يجتذبه الله إليه ويوفقه ويسدده، وهذا المعنى هو ما يفيده قوله تعالى: "... إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى"﴿13/ الكهف﴾. وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"﴿69/ العنكبوت﴾.

فإن وجدت نفسك مؤمناً ملتزماً بأحكام الله، مطيعاً لأوامره، مجتنباً لنواهيه، فاعلم أنك موفَّقٌ وأن الله يُحبُّك.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha