ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ ساءَ مَقْصَدُهُ ساءَ مَوْرِدُهُ

20:30 - September 26, 2025
رمز الخبر: 3501764
بيروت ـ إکنا: هناك علاقة سببية بين المقاصد والغايات، وبين النتائج والنهايات، فالحياة رحلة ممتدة ولها غايات بعيدة المدى، ووسيطة، وقريبة، يجب أن تكون حَسَنَة حائزة على رضا الله تعالى، وهي التي تحدد المصير النهائي للإنسان.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ ساءَ مَقْصَدُهُ ساءَ مَوْرِدُهُ".
 
الغاية التي تقصدها قارئي الكريم هي التي تحدِّد النتيجة التي ترغب بها، هذه هي المعادلة التي يكشف عنها الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهي معادلة ذات ارتباط عميق بنِيَّة الإنسان ودوافعه وغاياته، فالغايات والمقاصد هي البوصَلة التي تحدد المسار من جهة، وتحدد النتائج من جهة أخرى، فإذا كانت مقاصد الإنسان حَسَنَة صالحة ستأتي النتائج حَسَنَة طيِّبة حتى ولو تأخَّرت، ولعل من أهمِّ نتائجها الطَّيِّبة رضا المَرء عن سعيه، وراحة ضميره، فمن يكون سعيه في الله ولله ناهضاً إلى تكاليفه الشريفة، فمِمّا لا شكَّ فيه أن يصلُح باله وتطمئن نفسه أياً تكن النتائج، لأنه يقوم بما كلَّفه الله طاعة له، تاركاً النتائج إليه تعالى، موقناً من حكمته، فإن أتته عاجلاً فقد أطاع وفاز بها، وإن تأخَرت عنه فيكفيه أنه قد أطاع الله، وهذه هي الغاية الكبرى للمؤمن. 

وإذاً: هناك علاقة سببية بين المقاصد والغايات، وبين النتائج والنهايات، فالحياة رحلة ممتدة ولها غايات بعيدة المدى، ووسيطة، وقريبة، يجب أن تكون حَسَنَة حائزة على رضا الله تعالى، وهي التي تحدد المصير النهائي للإنسان، فكما أن من يقصد الصحراء القاحلة لن يجد بستاناً عامراً بالأشجار والثمار، ومن يسلك مسالك الظلم والعدوان لن ينال الطمأنينة والأمان، كذلك من تكون مقاصده سَيِّئةٌ فستكون موارده سَيِّئة.
 
في القرآن الكريم نجد شاهداً مهمّا لما تقدم، حيث يقول تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ﴿الشورى:20﴾ فالمورد تابع للمقصد، والجزاء يلازم النية، من نوى الخير وجد الخير، ومن قصد الشَّر لم يحصد إلا الشرَّ، من كان يريد الهدى والإيمان، ويعمل للآخرة، ويغرس في مغارس الإحسان، يَزِد له الله سبحانه وتعالى فيما غرس، ويبارك عليه، ويضاعف له الجزاء أضعافاً مضاعفة، ومن أعرض عن الآخرة، وعمل للدنيا، وغرس في مغارسها، أخذ ثمر ما غرس في دنياه، واستوفى نصيبه منه، حتى إذا جاء إلى الآخرة، جاءها ولا نصيب له فيها.
 
والتاريخ قارئي الكريم شاهد على أن المقاصد تحدد الموارد، وأن نوايا القلوب هي التي ترسم مصائر الأفراد والأمم، فرعون كان مقصده الاستكبار والاستعلاء والهيمنة، فجاء مورده غرقاً في اليَمِّ، وقارون استكبر بماله وقال إنما أوتيته على علم عندي، فكان مورده أن خسف الله به وبداره الأرض، والإمام الحسين عليه خرج إلى العراق قاصداً الإصلاح في أمة جده رسول الله (ص) فكان مورده الخلود، وصار رمزاً ومُلهِماً لكل الثوار والأحرار والأبرار.
 
ولا يفوتني قارئي الكريم أن أشير إلى أمر بالغ الأهمية وهو: إن كثيراً من الناس يظنون أن الغايات تبرر الوسائل، بل هذا ما عليه معظم الناس عَمَلياً أفراداً وجماعات ودوَلاً، لكن الإمام أمير المؤمنين (ع) يعلمنا في جوهرته الكريمة: "مَنْ ساءَ مَقْصَدُهُ ساءَ مَوْرِدُهُ"
أن سوء المقصد لا يمكن أن يؤدي إلى حُسنِ المورد، فمن ابتغى الحصول على المال من طريق حرام فلن يَهْنَأ بماله، بل سيخسره عاجلاً قبل الآجل، ومن قصد الشُّهرة بالباطل فمآله السقوط لا محالة، فالوسائل الفاسدة تؤدي إلى نهايات فاسدة.

بقلم الباحث والكاتب اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha