ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ شُكِرَ عَلى الإِسْاءَةِ سُخِرَ بِهِ

0:05 - October 11, 2025
رمز الخبر: 3501956
بيروت ـ إکنا: الإمام أمير المؤمنين (ع) يكشف ببلاغته أنّ من يُشكَرُ على الإساءة، فتلك سُخرية منه وليست ثناءً عليه، وتلك إهانة وليست مدحاً له، إنها أقرب إلى الشتيمة منها إلى الشكر، وذَمٌ للمسيء على إساءته، وليست مدحاً ولا ثناءً، لأن العاقل لا يرى منطقاً في أن تُكافأ الإساءة بالثناء، ولا أن يُزيَّن القبيح بمديحٍ كاذب.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ شُكِرَ عَلى الإِسْاءَةِ سُخِرَ بِهِ".
 
قارئي الكريم: حَيَّاك الله ورعاك، وتقبَّل أعمالك، وأصلح بالك وعُقباك، وجعل الجنة مثواك، الشكر في جوهره تعبير عن الاعتراف بالفضل، وإقرار بالجميل، وإظهار للامتنان، العقل يوجِبه، والشريعة تؤكِّد عليه، والله شَكورٌ ويحُثُّنا عليه، ويُحِبُّ الشاكرين، لما فيه من تمتين لعرى العلاقات الاجتماعية، وحثٌّ على مزيد من الإحسان، فإذا صُرف الشكر في موضعه، أصبح تاجاً يُكلّل صاحبه ويزيده شرفاً، لكن إن خرج الشكر عن موضعه، وأُهدِيَ لمن لا يستحقّه مِمَّن لم يُحسن، بل أساء، تحوّل من فضيلة إلى رذيلة، ومن أدب إلى مهانة.

الإمام أمير المؤمنين (ع) يكشف ببلاغته أنّ من يُشكَرُ على الإساءة، فتلك سُخرية منه وليست ثناءً عليه، وتلك إهانة وليست مدحاً له، إنها أقرب إلى الشتيمة منها إلى الشكر، وذَمٌ للمسيء على إساءته، وليست مدحاً ولا ثناءً، لأن العاقل لا يرى منطقاً في أن تُكافأ الإساءة بالثناء، ولا أن يُزيَّن القبيح بمديحٍ كاذب.
 
الشكر في غير موضعه ليست مجاملة بريئة، بل لوم له واعتراض عليه، وتنبيه مُبَطَّن له، فإذا شكرتَ المسيء، فإنك تردُّ على إساءته، بأسلوب خَفِيٍّ، تريد أن تستنهض وجدانه ليحاكمه على ما صدر منه، وتستثير عقله ليردعه، لأنه يعلم أن الإساءة لا تُشكَر، فإنما يُشكَر المُحسِن لا المُسيء، وهو يعلم أنه مُسيء، فشكرك له في هذه الحال مذَمَّة لا مِدحة. 
 
هذا ما تفيده عبارة الإمام أمير المؤمنين (ع) إذا كانت مبنية للمجهول: "مَنْ شُكِرَ" أما إذا كانت مبنية للمعلوم "مَنْ شَكَرَ" فيكون الشاكر على الإساءة موضع سُخرية الناس، ومرمى لومهم وذَمِّهم، إذ كيف لعاقل أن يشكر الإساءة؟ هذا عمل يستهجنه العقلاء، ويذموه، لأنه إغراء بمزيد من الإساءة، وترويج لها، وقلب للحقائق، وتزيين للقبيح، ومهانة أمام الناس، ويكشف عن حماقة الشاكر، أو ضعفه وذُلِّه بين يدي المسيء إذا بالغنا في حُسن الظنِّ به، وإلا، فإنه يكشف عن تملقه وتزلُّفه وكَذِبه ونفاقه.
 
وهذه والله ظاهرة خطيرة موجودة في كل زمان ومكان، ولكنها في الماضي كانت تقتصر على الشعراء أو طالبي الحاجات، أما اليوم فنرى الشكر على الإساءة من "علماء" البلاط، والكُتَّاب، والمفكرين، والإعلاميين، والسياسيين، وليس أي سياسيين، إنهم نوَّاب، ووزراء، ورؤساء أحزاب، فهؤلاء جميعاً يمثِّلون ظاهرة مرعبة في النفاق والتمّلُّق والتزلف، وشكر المسيء، وذَمِّ المُحسِن، وقلب الحقائق، يثنون على القاتل، ويذمون الضحية، يهلِّلون لمن يدمِّر بلادهم، ويعادون بل يهجمون على من يحميها، يفعلون ذلك من خوف، أو طمع، أو حقارة نفسية، أو عادة اعتادوا عليها، ونهج وبيء استمرؤوه.
 
نستنتج مما سبق ضرورة أن نتوجَّه بالشكر إلى من يستحق الشكر، حفظاً للشكر والامتنان من أن يضيع مقامه وشرفه، وأن نعطي الفضل لأهله، تشجيعاً لهم على الخير، وتربية للمجتمع على مكارم الأخلاق، وألّا نُزيِّنَ الباطل بالمديح الكاذب، فإن الشكر في غير موضعه يستلزم السُّخرية بالشاكر والمشكور على سواء.

بقلم الباحث اللبناني في الشؤون الدينية السيد بلال وهبي
captcha