ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

المجتمعات البشرية ما كانت لتنمو لولا سُنَنِ الصراع والتدافع

11:42 - February 19, 2023
رمز الخبر: 3490019
بيروت ـ إکنا: المجتمعات البشرية ما كانت لتنمو وتتطور وتتقدم لولا سُنَنِ الصراع والتدافع، فمِنْ منتصر يوماً ومنهزم يوماً آخر، ومن خاسر يوماً رابح يوماً آخر، ومعه لا مجال للقنوط واليأس، ولا مجال للطغيان والتَّجَبُّر.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَضْيَقُ ما يَكُونُ الْحَرَجُ، أَقْرَبُ ما يَكُونُ الْفَرَجُ".

كُلَّما اشتّدَّ ظلام الليل كان ذلك إيذاناً بقرب الفجر، وكُلَّما اشتَدَّت آلام المَخاض كانت إيذاناً بقرب الولادة، وكُلَّما كثُرت المصاعب عليك كانت إيذاناً بأنك صِرت أكثر تأثيراً في الواقع، وأكثر تهديداً لعدوك، وكلما زادت الضغوط عليك فاعلم أن عدوك يستنفد آخر ما لديه من أدوات الضغط، وأن الفرج على قاب قوسين أو أدنى منك، وأَنْ قريباً ستخفق رايات نصرك، وسيرتفع لواء عِزِّك.

ما سبق ليس تنظيراً، ولا عَصفاً ذهنياً، ولا أمنيات، إنه الواقع بأُمِّه وأبيه، الواقع الذي تشهد له التجربة الإنسانية المُطَّرِدَة، فردِية كانت أم جماعية، وتشهد له سُنَنُ الحياة التي لا تتبدَّل ولا تتحوَّل، فما يكون ليل إلا ويكون نهار، ولا مساء إلا ويكون صباح، وما يكون ظلام إلا يكون ضياء، وما يكون يُسْرٌ إلا ويكون عُسْرٌ، وما يكون أَلَمٌ إلا وتكون عافية، وما يكون ضيق إلا وتكون سَعَة، وما يكون حرَجٌ إلا ويكون فَرَجٌ. فالحياة مزيج من هذا وذاك، هذا ينسلخ من ذاك، وذاك يكون في بطن هذا، ولولا وجود الضِّدِّ لم يُعْرَف الضِّدُّ.

وكلاهما ضروريان للحياة في الأرض، والأرض ذاتها ما كان فيها ما فيها لولا ذلك التوارد من الحرارة والبرودة، والليل والنهار، والفصول المتنوعة، فلا شيء فيها يبقى على حاله، بل يجب أن يتغير ليبقى، ويجب أن يموت ليولَد منه شيء جديد.

والمجتمعات البشرية ما كانت لتنمو وتتطور وتتقدم لولا سُنَنِ الصراع والتدافع، فمِنْ منتصر يوماً ومنهزم يوماً آخر، ومن خاسر يوماً رابح يوماً آخر، ومعه لا مجال للقنوط واليأس، ولا مجال للطغيان والتَّجَبُّر.

ولئن كان الرَّخاء مطلوباً للإنسان فإن في الابتلاء خير، وفي المِحَن خير، وفي المصائب خير، وغالباً ما يُدرك الإنسان ذلك الخير بعد برهة من الزَّمَن عندما تنجلي غياهب البلاء، وتنقشع سُحُبُ المِحَنِ، وتزول المَصائب، وإنها جميعاً لَتكشف له عن مكنونه النفسي، وتُظهِرُ له المخبوء من طاقاته، وتُعَرِّفه على ما غاب منها عنه.

والمُؤمن في كلا الحالَين صابر وشاكر، وثابت وموقِنٌ، نُزِّلَتْ نفسهُ منه في البلاء كالتي نُزِّلَت في الرَّخاء، في البلاء يعمل ويُؤَمِّل ويرجو، ويعلم أنه لن يدوم ولو طال زمانه، وأنه وفي الرَّخاء يشكر ويحمد الله على جليل كرمه وسُبوغ نعمائه.

عندما تشتَدُّ الأزمات، وتزداد المُنَغِّصاتُ، وتسوء الأحوال، وتكثر الأهوال، فاعلم أن الفرَجَ قريب قريب، وأن مخرجاً مّا ينتظرك في منتهى الطريق، فاتجه نحوه بيقين وثقة، وابحث عنه بجِدٍّ واجتهاد، وحذارِ ثُمَّ حذارِ أن تستسلم، وحذارِ ثُمَّ حذارِ أن تقنط وتيأس، فستمتَدُّ إليك يَدُ الله الرحيمة الحانية، وسيكشف الله عنك ما يجثم على صدرك، وسيزيل الغُمَّة التي تضغط على قلبك، وستكون في الغد أفضل حالاً مِمّا أنت عليه اليوم، وتذكَّر: كم مرة ضاقت الأمور عليك فانفرجت من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب، وكم من مرة ظَننت أن لا مخرج لك مما أنت فيه فإذا بالأمور تنفرج، وإذا بالغموم تذهب وتنكشف، من طريق لم يصل إليه حتى وهمُك، ولا تنسَ وأنت تخوض غِمار المصاعب والشدائد قول الله تعالى: *"لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا"﴿1/ الطلاق﴾.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha