ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

عُلُوُّ الهمة يشمل جميع الأبعاد الإنسانية المعنوية والمادية

15:54 - August 13, 2023
رمز الخبر: 3492301
بيروت ـ إکنا: لا يقتصر عُلُوُّ الهمة على الارتقاء الأخلاقي المَعنوي بل يتِّسع لِيَشمل كُلَّ ارتقاء في جميع الأبعاد الإنسانية المعنوية منها والمادية. فيجب أن تكون عالي الهِمَّة في طلب العلم وبلوغ أعلى المراتب فيه، وعالي الهِمَّة في تطوير ذاتك ومهاراتك، وتطوير حياتك، وتطوير مجتمعك والارتقاء بأمتك لتكون في مقدمة الأمم كلها.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "خَيرُ الْهِمَـمِ أَعْلاهـا".

وعُرِّفَت الهِمَّةُ بأنها: نشاطٌ بالغ في القِيام بأَمْر بإخْلاص، وتضحية، وتوَجُّه القلب وقصده بجميع قواه الرَّوحانية إلى جانب الحق، لحصول الكمال له أو لغيره. والهِمَّة فِعْلَة من الهَمِّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصُّوها بنهاية الإرادة، فالهَمُّ مَبدؤُها، والهِمَّة نهايتها. والهِمَّة عَمَل قلبي، وكما أن الطائر يطير بجناحَيه، كذلك يطير المرء بهِمَّته، فتحلِّق به إلى أعلى الآفاق، طليقةً مِنَ القُيود التي تُكَبِّل الأجساد.

وتُقَسَّم الهِمَّة تقسيمين: فتقسم من حيث العُلُوِّ وضده إلى هِمَّة عالية، وهِمَّة سافلة، وتُقَسَّمُ من حيث الاستعداد الفطري إلى: هِمَّة موهوبة، وهِمَّةٍ مُكتسبة، وكلتاهما قابلتان لزيادة عُلوِّها ورِفعتها، فهي مثل باقي الصفات الأخلاقية التي يمكن بل يجب زيادتها وتنميتها.

أما عُلُوُّ الهمة: فهي العزم القوي للوصول إلى معالي الأمور، وطلب ما أَمكن مِنَ الكمال لِلنَّفسِ وَلِغَيْرها، وعدمُ القَناعَة بِالنَّقصِ وَالسُّفْلِ، واستصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وتحقيق الفضائل والمَحاسن، مع عدم السُّكون أبداً لصغار الأمور وحقيرها، بل تتطلَّع النفسُ إلى ما هو أعلى وأسمى وأرقى ما دام مُمكِناً. 

وأما صِغَرُ الهِمَّةِ: فهي ضعف النفس وعدم رغبتها في طلب معالي الأمور، واكتفائها بالمراتب الدُّنيا والسُّفلى، ورضاها باليسير من الفضائل، وهي صفة ذميمة في النفس، تدل على ضَعفها ودناءتها، وعدم رغبتها في منافسة الآخرين في طلب الكمالات بلوغ أعلى الدرجات الأخلاقية، وعدم سَعيها لبلوغ ما تستحقه من التكريم والمقامات العالية، بل ترضى بالدون من الكمال، والقليل من العمل. 

ولا شك في أن صاحب الهمة العالية مَمدوح، وصاحب الهِمَّة السافلة مَذموم، فما خَلَقَ الله الإنسان إلا ليتكامل في كل أبعاده، وليتطور ويتقدم، وبهذا فضَّله على سواه من المَخلوقات، فإذا لم يَسْعَ في ذلك ورضي باليسير فَقَدَ فضيلته ومِيزته، وصار مَذموماً عند الله وعند الناس، وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وأَشْرافَها، ويَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"

واعلم قارئي الكريم أنَّ "المَرءُ بِهِمَّتِهِ، لا بِقُنيَتِهِ". كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع)، فأنت تساوي أهدافَك وغاياتك، إذا علَتْ عَلَوتَ، وإذا سَفُلَت سَفُلَتَ. فلا يجوز لك في قاموس الكرامة والفضيلة أن تكتفي بالقليل، وترضى بالسافل من الأمور.

في دعاء مكارم الأخلاق يُعلِّمنا الإمام زين العابدين عَليّ بن الحُسين (ع) أن نكون أصحاب هِمَّة عالية في طلب المعالي والفضائل فيسأل الله تعالى قائلاً: "أَللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَبَلِّغْ بِإيْمَانِي أكْمَلَ الاِيْمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّـاتِ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الأَعْمَالِ". ويقول في موضِع آخر: "أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ... وهَبْ لِي مَعَـالِيَ الأَخْـلاَقِ... أللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إلاّ أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً اُؤَنَّبُ بِهَا إلاّ حَسَّنْتَهَا، وَلاَ أُكْـرُومَـةً فِيَّ نَاقِصَةً إلاّ أَتْمَمْتَهَا".

وفي المناجاة الشعبانية المرويَّة عن الإمام أمير المؤمنين (ع) يُعلمنا أن تكون همتنا عالية في القرب من الله تعالى فيقول: "إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ الِانْقِطَاعِ إِلَيْكَ، وَأَنِرْ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا بِضِيَاءِ نَظَرِهَا إِلَيْكَ، حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النُّورِ، فَتَصِلَ إِلَى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ، وتَصِيرَ أَرْوَاحُنَا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ".

وفي دعاء كميل الشريف نسأل الله عُلُوَّ الهِمَّة في العمل والسَّعي فنقول: "قَوِّ عَلى خِدْمَتِكَ جَوارِحِي وَاشْدُدْ عَلى العَزِيمَةِ جَوانِحِي، وَهَبْ لِيَ الجِدَّ فِي خَشْيَتِكَ، وَالدَّوامَ فِي الاِتِّصالِ بِخِدْمَتِكَ حَتَّى أَسْرَحَ إِلَيْكَ فِي مَيادِينِ السابِقِينَ، وأُسْرِعَ إِلَيْكَ فِي البَارِزِينَ، وَأَشْتاقَ إِلى قُرْبِكَ فِي المُشْتاقِينَ، وَأَدْنُوَ مِنْكَ دُنُوَّ المُخْلِصِينَ، وَأَخافَكَ مَخافَةَ المُوقِنِينَ، وَأَجْتَمِعَ فِي جِوارِكَ مَعَ المُؤْمِنِينَ".

ولا يقتصر عُلُوُّ الهمة على الارتقاء الأخلاقي المَعنوي بل يتِّسع لِيَشمل كُلَّ ارتقاء في جميع الأبعاد الإنسانية المعنوية منها والمادية. فيجب أن تكون عالي الهِمَّة في طلب العلم وبلوغ أعلى المراتب فيه، وعالي الهِمَّة في تطوير ذاتك ومهاراتك، وتطوير حياتك، وتطوير مجتمعك والارتقاء بأمتك لتكون في مقدمة الأمم كلها.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

captcha