ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "خَيرُ الإِخْوانِ مَنْ لا يُحوِجُ إِخْوانَهُ إِلى سِواهُ".
تُطلق كلمة "الأخ" في اللغة على ضُروب الصِّلات والعَلائق النَّسبيّة وغير النَّسبيّة؛ فكلّ إنسان له صِلة وثيقة تربطه بإنسان آخر أو مشارِك لغيره في شيء فهو أخٌ له.
وقد استعمل القرآن الكريم كلمة (الأخ) و (الأخت) في معاني عديدة، منها: العَلاقة النَّسبية، والعَلاقة الرَّضاعية، والعَلاقة الدينية الإيمانية، وعَلاقة الموَدَّة والحُبِّ، والعَلاقة القَبَلِيَّة، وعَلاقة المُصاحَبة، وعَلاقة المُشابَهَة، وعَلاقة المُتابعة، وعَلاقة التَّواؤم والتوافق، ولم أذكر لقارئي الكريم الآيات الدالة على ذلك حَذَراً من الإطالة.
يهتَم الإسلام كثيراً بالعَلاقة الأخَويَّة بين أبناء المجتمع الإنساني، وقد سَنَّ في هذا المجال قانُّوناً عاماً مُلزماً وهو قانون الأُخُوَّة، تترتَّب عليه آثار وحقوق وواجبات لا تقبل الإسقاط، إذْ قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..."﴿10/ الحُجُرات﴾. وقال رسول الله (ص): "المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ، عَينُهُ ودَليلُهُ".
فهذه أُخُوَّة يقرِّرها الدين ويُلزِم بها، ولا يترك الخِيَرَة فيها للمسلم، وبكلمة أخرى: إنَّ كلَّ مؤمن فهو أخ لك، شِئتَ أم أبيت، ومن ثَمَّ عليك أن تؤدي إليه حقوقه وعليه أن يؤدي إليك حقوقك.
يدعو الإسلام إلى الاستزادة من الإخوان، ويعتبر ذلك من أهم ما يستفيده المؤمن بعد إيمانه، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "مَا استَفادَ امرُؤٌ مُسلِمٌ فائِدَةً، بَعدَ فائِدَةِ الإِسلامِ، مِثلَ أخٍ يَسْتَفيدُهُ فِي اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ"*.
وذِكْرُ قَيد (في الله عَزَّ وجَلَّ) للتمييز بين هذه الأخوة وبين الأخوة التي تقوم على قاعدة النَّسب، أو القبلية، أو سواهما من أنواع العلاقات، فإن أشرف علاقة تلك التي تكون في الله تعالى أي أن يكون الدافع إليها الالتزام بأمر الله، ومحورها الله، وهي التي تترتب عليها الآثار الشرعية والاجتماعية، فرُبَّ أخٍ نَسَبي لا يرتبط بأخيه إلا بالنسبة لكنه على النقيض معه في كل شيء، عقيدة، وقِيَماً، وسلوكاً. بينما تجد من له أخ في الدين يرتبط به في كل شيء خلا الرابط النَّسبي. على أن العلاقة النسبية تنقطع بالارتحال عن الدنيا، أما العلاقة الإيمانية فتستمر إلى الآخرة.
وجعل الإسلام للأخ الإيماني حقوقاً خاصَّة على أخيه فضلا عن الحقوق العامة التي يشترك فيها مع الآخرين من قبيل حرمة نفسه وسمعته وماله وعِرضه، ووجوب نصيحته، ونُصرته، وإعانته، وقضاء حاجته، وإكرامه، ومواساته، بل وإيثاره، وإهدائه عيبه، ونَهيه عن منكره، والصَّفح عن زلاته، والدُّعاء له بظهر الغيب، وحِفظ غَيبته، وتفَقُّده إذا غاب، وأن يُحِبّ له ما يُحِبُّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها.
في جوهرته الكريمة يتحدث الإمام أمير المؤمنين (ع) عن خير الإخوان فكما أن الأُخُوَّة درجات، كذلك الإخوان فمنهم من هو خير من غيره والخيرية هنا تتولد من صفات الشخص الإيجابية وفضائله الأخلاقية، ودرجة علاقته بأخيه في الله من حيث إخلاصه له، ووفائه، وخدمته، ودرجة اهتمامه به، ومساندته، والوقوف إلى جانبه في المُلِمّات بحيث لا يحوجه إلى سواه، فمن يكن كذلك فهو بلا شك خير الإخوان.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: