ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

من أهم صفات المؤمن أنه يُقرِن فعله بقوله

9:00 - August 22, 2023
رمز الخبر: 3492416
بیروت ـ إکنا: إن من أهم صفات المؤمن أنه يُقرِن فعله بقوله، فلا يقول ما يفعل أو لا يقدر على فعله، لأن التناقض بينهما لا يليقان به، والتناقض أمر شديد السوء والله يمقت من يكون كذلك، ويبغضه بغضاً شديداً.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "خَيْرُ الْمقالِ ما صَدَّقَهُ الْفِعالُ".

هَبْ أنك خطيب حاذِق ذكي، ينبجس منك القول فصيحاً بليغاً حكيماً، يُؤْنِسُ النفوس، ويملك القلوب.

وهَبْ أنك شاعر مُبدع لا مثل لك في الشعراء الأولين والآخرين، تُنشئُ من الشعر ما لم يسبقك إليه أحد ولا يجيده بعدك أحد، كل ذلك حَسَنٌ، لكنه يبقى كلاماً وحسب، وقد لا يدل على حقيقتك، ولا ما تكتنفه نفسك من عواطف ومشاعر، ولا على ما تتخذه من مواقف حين يتَطَلَّبُ الواقع منك موقفاً. بل لا بد أن تُقرِن كلامك بالأفعال.

قد تقول وتقول وتقول، والقول سَهل يسير، ولكِنَّ فعلك يخالف قولك، قد تُنشئ قصائد مطولات في الشجاعة والإقدام والبسالة والرجولة، ولكنكَ تُوَلِّي الدُّبُر حين يبدأ القتال، وقد تقول أحسن ما يقال في الصدق ولكنك لا تصدق حين يتطلب منك الواقع أن تكون مع الصادقين، وقد تمدح الأمانة وأهلها ولكنك إن اؤتُمِنتَ خِنتَ.

ألا ترى قارئي الكريم أن معظم الناس إن لم أقل كلهم يقولون عن الحق كلاماً بديعاً لكنهم ينكرونه ويجحدونه؟ ويتكلمون عن الصلاح والإصلاح كلاماً راقياً ولكنهم يُفسِدون أكثر مِمّا يصلحون، يوالون المفسدين ويعادون المصلحين؟!

لقد وَبَّخ الله أولئك الذين يقولون ثم لا يتطابق فعلهم مع قولهم، واستنكر سلوكهم الأعوج، ونَهَرهم عن صفة من صفات النفاق، وهي الخُلفُ في القول، والتناقض الصارخ بينه وبين الفعل، وهو من أسوأ ما يتورَّط فيه الإنسان، سيما المؤمن، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴿2﴾كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"﴿3/الصف﴾.

فقد كان سبب هذا التوبيخ أنه كان ناسٌ من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز و جل دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به.

فلمّا نزل الجهاد كَرِه ذلك ناسٌ من المؤمنين، وشّقَّ عليهم أمره، فنزلت الآيتان الكريمتان توبِّخهم وتستنكر موقفهم.

ويُروى أن ذلك كان بعد واقعة بَدْرٍ حيث عمَّق النبي (ص) حب الشهادة في من حوله، وبين مناقب الشهداء ومنازلهم في الجنة، فتمَنَّى الشهادة بعض المسلمين- الذين لم يحسنوا إلا التمني- وقالوا: لو هَيّأ الله لنا قِتالا نُفرغ وسعنا فيه، ونبذل أرواحنا وأموالنا في سبيل الله، فنحصل على مراتب المجاهدين والشهداء، وسرعان ما حدثت واقعة أحد، فلم يَفوا بما قالوا، إنما انهزموا وتركوا النبي في الميدان، حتى جُرِحَ في جبهته. فنزلت حينها هذه الآيات الكريمة.

إن من أهم صفات المؤمن أنه يُقرِن فعله بقوله، فلا يقول ما يفعل أو لا يقدر على فعله، لأن التناقض بينهما لا يليقان به، والتناقض أمر شديد السوء والله يمقت من يكون كذلك، ويبغضه بغضاً شديداً، وإن الذين لا يحترمون كلمتهم وعهودهم ومواثيقهم ومواعيدهم ويتخلَّفون في ساعة العُسرة، ينبذهم الناس، ويحتقرونهم، بل يحتقرون أنفسهم.

وهذا الإمام أمير المؤمنين (ع) يذم أصحابه بعد غارة الضَّحّاك بن قيس صاحب معاوية على الحاجّ بعد قصة الحكمين وما حدث في الأطراف فيقول: "أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ، كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ، تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ، مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلَا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ، وَسَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ، دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ، لَا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ، وَلَا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلَّا بِالْجِدِّ، أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ، وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ، الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ، وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ، أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لَا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، وَلَا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلَا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ، مَا بَالُكُمْ؟!. مَا دَوَاؤُكُمْ؟!. مَا طِبُّكُمْ؟! الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ!. أَقَوْلًا بِغَيْرِ عِلْمٍ؟!. وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ؟! وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ؟!".

بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "السيد بلال وهبي"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha