
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "دَعْ ما يُريبُكَ إِلى ما لا يُريبُكَ".
منهج دقيق للتعامل مع الشبهات التي تهجم علينا في أحايين كثيرة، يقدمه لنا الإمام أمير المؤمنين (ع)، وهو مروِيٌّ في مصادر المسلمين الحديثية، وقد نسبه معظمها إلى رسول الله (ص)، ولا مشكلة في ذلك، فأمير المؤمنين ربيب رسول الله (ص) وتلميذه وباب مدينة علمه، بل نفسه كما نصَّت على ذلك آية المباهلة الشريفة، والأذُنُ الواعية التي وعَتْ كل ما نطق به النبي الأكرم (ص).
إن هذه الجوهرة الكريمة تعطينا تصوراً دقيقاً فيما نفعل وفيما لا نفعل، وفيما نقبل ما يرد علينا وفيما لا نقبل، وأين يجب أن نتقدم وأين يجب أن نتوقف، ومدى أثر ذلك على ديننا وإيماننا واستوائنا على صراط الله وطمأنينتنا إلى أننا على الجادَّة المًثلى والصراط المستقيم، حيث يجب أن نكون مطمئنين لكل ما نعتقد به، ونفعله، ونقرره من مواقف، وما يُعرَض علينا من آراء ومقترحات، فنكون أصحاب رؤية واضحة، وعقيدة ثابتة، نفعل ما نطمئن إلى حقانيته وصحته، ونبتعد عن كل أمر مشكوك فيه ومُشتَبَه.
يقولُ (ع): "دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك"، أي: اترك واجتنب كل ما تشك فيه من أمور لم تطمئن إليها نفسك، وكل ما فيه شُبهة أو ارتياب، ولم يقم الدليل القاطع عليه، دع ذلك وخُذْ بما لا شك فيه ولا شبهة، فتكون آمنا من الشك، مطمئنا إلى ما أخذت وفعلت، فإن اللوابس تهجم عليك من كل حدب وصوب، والشبهات كثيرة تحيط بك من كل جانب، وما أكثر الترويج للشبهات في عصرنا الحاضر، وما أكثر ما يُلبَسُ الباطل لَبوس الحق، وقد تكفلت بذلك ألاف مؤلفة من وسائل الإعلام والإعلان، فالخوض في وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الأخبار الكاذبة، والفتن المغرضة، والنميمة المفسدة، بل حتى الحكايات التافهة، أو الصور الخادشة للحياء، هي مما ينبغي للعاقل أن يدعها حتى يصون عرضه ونفسه، والتهافت على المكاسب من غير وعي بالحلال منها، يوقع المرء في المتشابهات التي تقوده إلى المحرمات، فيتعين على المرء اجتنابُها.
ومجالسة من لا يعرف حالهم بالصلاح والاستقامة، تقود إلى السير معهم، فيرد مواردهم المهلكة، وينسب إليهم، ويتعين على المرء اجتناب ذلك. فحري بك أن تحترز عن كل ما يشتبه عليك أمره، أو ارتابت نفسك منه، فإن نفس المؤمن تطمئن إلى الصدق، وترتاب من الكذب.
إن هذا المنهج الإسلامي القويم لايقتصر على الأمور العَقدية أو الفكرية أو الروايات والأحاديث، أو الأخبار والآراء والأفكار، بل يعمّ كل أمر فيه ريبة وشبهة، فالمؤمن يبني كل أمر من أموره على اليقين، فلا يفعل إلا الحلال المحض، ولا يأكل ويشرب إلا الحلال المحض، ولا يلبس إلا الحلال المحض، ويجتنب كل أمر يشتبه في حرمته فضلا عن الحرام المحض.
لأن ترك الشبهات في العبادات والمعاملات يقود الإنسان إلى الورع والتقوى، ويحفظ له دينه وإيمانه، لأن في فعل المشتبه به، أو الأخذ به، غالبا ما يكون مقدمة لفعل الحرام واستسهال الأخذ بالباطل.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: