
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "داوُوا الْغَضَبَ بِالصَّمْتِ، والشَّهْوَةَ بِالْعَقْلِ".
الغضب وما أدراك ما الغضب، اشتعالُ قلبٍ من الحُنق، وغياب عقل، وانفجار مشاعر سلبية، ولسانٌ جارحٌ، ويد تبطش وتحطم وتضرب. الغضب انفعال، وغليان، ونَهم بالتشفي والانتقام، وسلوك عدواني، وارتعاش، وتوتر، ونفور. والغاضب وحشٌ في صورة إنسان، وأنياب جاهزة لتنهش ما تصل إليه، ومخالب حادة حاضرة لتمزيق ما ومن يقف في وجهها.
هل من غُلُوٍّ في هذا التوصيف؟ الجواب: كلا: فالغضب شُعبة من الجنون، بل لعل الغاضب يذهب في إيذاء نفسه أو غيره بعيداً يتجاوز حدود المعقول، ويكون منه ما لا لا يخطر على قلب بشر.
ورغم أن الغضب جنون لكنه مقدور عليه، جنون يمكن للمرء أن يكبح جماحه إن حدث، لأنه إن ترك له العِنان مطلقاً أتى على كل شيء، وكان منه ما لا يخطر على بال أحد، والحقيقة فإن معظم الجرائم التي يرتكبها البشر يكون الغضب مسببا رئيسياً لها، ولو أن كل واحد منهم أمسك بغضبه وكبح جماح نفسه لأمكنهم أن يقللوا من نسبة الجرائم إلى مستويات قليلة جداً.
وقد أثبتت الأبحاث الطبية المعاصرة الكثير من النتائج السلبية الخطيرة التي تنتج عن الغضب، وأهمها إجهاد القلب إذ تزداد كمية الدم التي يضخها القلب نتيجة الانفعال الشديد، ما يؤدي إلى تصلب الشرايين فتحصل التجلطات في الأوردة، ويتسبب في ارتفاع نسبة السكر في الدم، ومن الممكن جداً أن يتسبب بالعمى.
ولا عجب بعد ما سبق أن يقتصر رسول الله (ص) في وصيته لرجل ألَحَّ مِراراً عليه أن يوصَيه بوصية تنفعه في دنياه وآخرته فقال له: "لا تَغْضبْ".
مما سبق يتبين عدم الحاجة للاستدلال على قبح الغضب وخطورته وما ينتج عنه من سلبيات وفجائع وموبقات، كما لا حاجة إلى التحذير منه فجميع بني البشر يدركون ذلك بالوجدان. لكن الحاجة ماسَّة لإرشاد الناس إلى الوسائل التي تعينهم على التحكم بالغضب ومداواته.
في جوهرته الكريمة يقدم الإمام أمير المؤمنين (ع) اللجوء إلى الصمت كواحد من الأدوية التي تداوي الغضب، وكوسيلة من وسائل كبحه والسيطرة عليه والحّدِّ من سَورَته، ولا شك في أن الصمت كما أثبتت التجارب يساهم في تحفيز نمو الدماغ بفعل نمو خلايا جديدة لا تنمو إلا في حال الصمت، ويخفف من التوتر، ولا يحتاج إلى وقت طويل، إذ يكفي أن يصمت المرء لدقيقتين فيخف توتره، ويجعل المرء أكثر قدرة على التركيز، ويساعد الشخص على التأمل الذاتي ويمنحه قدرة على التمييز بين الخطأ والصواب.
وإذا كان الصمت واحداً من وسائل السيطرة على الغضب ومداواته، فإن تحكُّم العقل بالشهوات هو الوسيلة الأنجح للسيطرة عليها وتوجيهها فيما يرجع على الإنسان بالخير والنفع، إذ لا يشك أحد في أن وجود الشهوات في الإنسان ضروري لحياته وتقدمه ونموه وتطوره، ولكن لا يمكن إطلاق العِنان لها، بل لا بد من التحكم فيها وإحكام السيطرة عليها، وكبح جماها، لأنها متطلبة لا ترضى بالقليل بل تريد المزيد، كلما أطاعها الشخص طلبت مزيدا وجديداً حتى يصل إلى وقت لا يجد المزيد فماذا تراه فاعلا ساعتئذٍ، سيقضي حياته متوترا قلقاً جائعاً وهذا ما يحدث لبعض الناس في الغرب الذين شذوا في كل شيء بعد أن أباحوا لأنفسهم كل شيء، وخضعوا لشهواتهم بل جعلوها إلها يأمر وينهى، فذهبوا مذاهب شتى في الضلال والضياع، فمن شذوذ جنسي إلى شذوذ أخلاقي، إلى شذوذ بدني، فواحد يرى نفسه كلباً ينبح، وآخر بقرةً، وثالث قِرداً، وهكذا اذا الشهوات تحرَّرت جَمَحت وطغت ودمرت وأهلكت، فلا بد من أن يتحكم بها العقل الذي يميز الصحيح من الخطأ، والحَسَنَ من القبيح، والمعروف من المنكر.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: