
ووِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "دُوَلُ اللِّئامِ مِنْ نَوائِبِ الْأَيّامِ".
الدولة: الدولة هي مجموعة من الأفراد يُمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين مُتفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية والتي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
ولا شك أن الدول تختلف عن بعضها في دساتيرها وقوانينها، والسلطات الحاكمة فيها، كما تختلف من وجهة نظر الإسلام من حيث شرعيتها وعدم شرعيتها، فالدولة الشرعية المُثلى هي الدولة التي يحكمها أشخاص عدول، وتعمل على تطبيق الشريعة الإلهية في المجتمع، وتعمل على بناء الإنسان إيمانياً وأخلاقياً وتنمية فضائله، وتطوير واقعه في مختلف المجالات، وتكون حائزة على رِضا المعصوم أو من ينوب عنه من الفقهاء العدول.
ولا شَكَّ بضرورة وجود الدولة، إذ لا يناقش في ذلك الجاهل فضلا عن العاقل، لأنه لا بُدَّ لأي مجتمع يتشكل من أفراد مختلفين في طبائعهم ومتنوعين في اهتماماتهم من قوانين تقنِّن علاقاتهم وسُلطة تجري تلك القوانين وتراقب تطبيقها، كما أنه لا بد من دولة تضع للمواطن أهدافا كبرى، وتخطط لبلوغها، وتوَفِّر كل الأسباب والحاجات الضرورية لذلك، وتؤطِّر أفراد المجتمع في بوتقة واحدة وتستثمر طاقاتهم وقابلياتهم في ذاك الطريق.
كما لا شَكَّ في وجوب أن تكون مقتدرة عادلة مُنصِفة قادرة على تأمين مستلزمات الحياة الإنسانية الفضلى، وتوفير حاجات المواطن المادية منها والمعنوية، كي ترتقي به في سُلَّم التكامل الإنساني، وقادرة على توفير الأمن والأمان، وردع الظالم، وإنصاف المظلوم، وإيصال كل حق إلى ذي الحق.
ولا شك في أن المراد بالدولة في كلام الإمام (ع) السُّلطة، وبكلمة أخرى الممسكين بالسلطة، فإما أن يكونوا كراماً أبراراً وإما أن يكونوا أشراراً فُجَّاراً، إما صالحين صادقين أهل أمانة وخبرة وإما أن يكونوا فاسدين كذابين لا يُعرفون بدين ولا بأمانة. إما أن يكون رحماءً من أهل الرحمة واللطف والعِفَّة، وإما أن يكونوا لئاماً قُساة خَسيسين منحطِّين دنيئين.
ولا شَكَّ أن الفرق بين الصنفين شاسع، والحياة في ظل أحدهما تختلف جذرياً عن الحياة تحت حكم الصنف الثاني، إن الحياة في دولة الكرام الأبرار المؤمنين الصالحين الصادقين الأمناء العلماء حياة كريمة عزيزة رغيدة آمنة مطمئنة، فيها الرخاء والسعة والسعادة، ومواطنها لا يخاف على نفسه ولا ماله ولا كرامته، وتلك نعمة عظيمة.
أما الحياة في ظل الكُفّار والفُجّار فهي على النقيض تماماً، لا كرامة فيها لمواطن، ولا حق يصل إليه، ولا حِفظ له في شيخوخته.
الحياة في دولة اللئام مصيبة كبرى ونائبة عُظمى، لأنها تجرُّ كل المصائب والنوائب من فساد وظلم وفقر وحاجة وذِلَّة وتمييز طبقي، وتفتح عليهم أبواب المنكرات والفواحش. وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "دُوَلُ الفُجّارِ مَذَلَّةُ الأَبْرارِ" وجاء عنه (ع) أيضا: "دَوْلَةُ الأَوْغادِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الجَوْرِ والفَسادِ".
بلى وربي إنه لمن أعظم المصائب أن يحكمنا الأوغاد اللئام، كما هو حالنا اليوم، أوغاد لئام جهلة حمقى فاسدون ومفسدون، يعتاشون من فسادهم، ويتواطؤون مع الخارج على بلادهم وأبناء وطنهم، ويعملون مخبرين ووشاة عنده، وينتظرون كلمة السر أن تأتيهم من سفير أو نائب سفير، ولا يجرؤون على اتخاذ قرار بنقل موظف من دائرة إلى دائرة خوفا من غضب قنصل أجنبي، هؤلاء هم الذين يحكمون أوطاننا ويتحكمون بمصائرنا، وهم عِلة أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية، وسبب تخلفنا.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: