ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

رحمة الله ظاهرة في الكون

20:42 - November 01, 2023
رمز الخبر: 3493283
بيروت ـ إکنا: إن رحمة الله تعالى ظاهرة في الكون، ولا تحتاج إلى برهنة عليها، فكل مظهر من مظاهره، وكل جزء من أجزائه مظهر تجلٍّ لرحمة الله تعالى التي أفاضها على الحياة فتحولَّت إلى حركة دائبة تنتج الخير والبركة لكل شيء، وكل نعمة من نِعمِه الظاهرة والباطنة رحمة، وفي كل ما يتنَعَّم به الإنسان من نِعَم مادية ومعنوية رحمة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رَحْمَةُ الضُّعَفاءِ تَسْتَنْزِلُ الرَّحْمَةَ".

لله تعالى رحمتان: الأولى: الرَّحمة العامة التي بدأها الله تَفَضُّلاً منه ولُطفاً، وهي تَعمّ كل ما خلقه الله من بشر وحيوان وحشرات وكائنات ونبات ومجرات وملائكة وجِنٍّ، وصغير وكبير، ومؤمن وكافر، وظالم ومظلوم، الكون كله مرحوم بهذه الرحمة، فلا جزء منه إلا وهو مرحوم، قال تعالى: "...وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ..."﴿الأعراف/ 156﴾.

ورحمته تعالى ظاهرة في الكون، ولا تحتاج إلى برهنة عليها، فكل مظهر من مظاهره، وكل جزء من أجزائه مظهر تجلٍّ لرحمة الله تعالى التي أفاضها على الحياة فتحولَّت إلى حركة دائبة تنتج الخير والبركة لكل شيء، وكل نعمة من نِعمِه الظاهرة والباطنة رحمة، وفي كل ما يتنَعَّم به الإنسان من نِعَم مادية ومعنوية رحمة، من هواء يتنفسه، وطعام يُشبعه، وماء يرويه، وعقل يفكر به، وسَمع وبصر، وقلب ينبض، وروح تهبه الحياة والحركة والحيوية، كل ذلك رحمة، بل رحمة عظيمة، وهي كما ترى قارئي الكريم رحمة شاملة عامّة ينالها كل الخلق من غير أن يطلبوها.


الثانية: الرَّحمة التي تُستَنزَل، وبكلمة أخرى: الرحمة التي تُطلَب، وهذه رحمة مَزيدة على الرَّحمة الأولى، وهي خاصّة بمن يطلبها ويستنزلها من السماء، وهي متاحة لجميع الناس ولكنها مشروطة بتوفُّر أسبابها، وأسبابها بيد الإنسان، لكنها من نصيب من يهيئ أسبابها ويطلبها، وهذه لا يُوَفَّق لها إلا كلُّ ذي حظٍّ عظيم. وهذا ما دلَّت عليه الآية الشريفة: "...وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ"﴿الأعراف/ 156﴾.

فالذين يتقون الله، أي يقف عند حدوده التي حَدَّها في مختلف ميادين الحياة، ويستجيبون لأمره فيما أمرهم، وينتهون عما نهاهم -وأمره تعالى ونهيه يهدفان إلى جلب النفع للإنسان ودرء الضُرِّ عنه- ويقومون بتكاليفهم الإجتماعية وأهمها غيتاء الزكاة للفقراء والمساكين والمحتاجين، ويؤمنون بالله وآياته، هؤلاء تكون لهم تلك الرحمة الخاصة، وبهذا يمتازون عن سواهم من الناس.

لقد ذكر الله لنا في كتابه الكريم الطريق الذي يؤدي إلى الفَوز بهذه الرحمة الخاصة فقال: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"﴿التوبة/ 71﴾.

إن المجتمع الذي يتمسَّك بعُروة الولاء لله ولرسوله وللمعصومين وللمؤمنين، والطاعة لهم، ويربط الإيمان بين أفراده على عقيدة واحدة ومنهج واحد، يعبدون الله تعالى لا يعبدون سواه، ويخضعون له ولا ينحنون لغيره، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتكافلون ويتضامنون ويعين بعضهم بعضاً ويحن غنيهم على فقيرهم، وقادرهم على العاجز منهم فهذا مجتمع مرحوم بلا شك، والفلاح محقق له.

وذكرت الروايات الشريفة (ذِكرَ الله تعالى) كواحد من وسائل استنزال الرحمة، وكذا العفو، وأن يُضمر المرء الرحمة في قلبه لجميع الناس، وهناك روايات عديدة ذكرت رحمة الناس، وخاصة الضعفاء منهم كواحد من أهم استنزال رحمة الله تعالى، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): "بِبَذلِ الرحمَةِ تُستَنزَلُ الرَّحمَةُ" وجاء عنه أيضاً: "رحمَةُ الضُعَفاءِ تَستَنزِلُ الرَّحمَةَ".

والضُعفاء هم كل أولئك الذين لا يملكون أمرهم، ولا يقدرون على تدبير شؤونهم بمفردهم، ويحتاجون إلى مزيد من العناية والرعاية والاهتمام، مثل الأطفال، وكبار السِّن، والعَجزة، والمرضى، والفقراء الذين لا يملكون ما يؤفر لهم حاجاتهم الضرورية، ولعل منهم الأشخاص الذين افتقروا بعد غنى، وكذا الذين كانت لهم منزلة اجتماعية أو مسؤوليات ومناصب ثم تجاوزتهم الأحداث، فهؤلاء حَثَّت الروايات على الرحمة بهم، ومنهم المرأة، والزوجة على وجه الخصوص، فإنها وإن كانت ثرية أو ذات مقام اجتماعي عالٍ، أو في موقع وظيفي مرموق، رغم ذلك تحتاج بشكل دائم إلى رعاية واهتمام عاطفي من زوجها. 

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha