
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "راكِبُ الطّاعَةِ مَقيلُهُ الْجَنَّةُ".
الطاعة: الانقياد والموافقة، والاستجابة لأمر الغير، والعمل به طَوعاً، وأصلها من الطَّوعِ وهو الخضوع والتسليم والاتِّباع، وامتثال الأمر واجتناب النهي لكل صاحب حقٍّ أو وِلاية.
والمراد من طاعة الله: الخضوع له وعبادته والانقياد والامتثال بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وطاعة من أمر بطاعته كطاعة الرسول والأئمة المعصومين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. وشاهده من
القرآن قوله تعالى: "قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" ﴿آل عمران/ 32﴾. وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..."﴿النساء/ 59﴾.
وقد فسَّرت الروايات الشريفة التي رواها الفريقان من المسلمين فسَّرت أولي الأمر بالأئمة المعصومين (ع). لأنهم الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطَهَّرَهم تطهيراً، كما نصَّ على ذلك في القرآن الكريم، إذ لا يُعقل أن يأمرنا بإطاعة غير المعصومين فإنهم عرضة للوقوع في الخطأ والمعصية، فيكون الأمر بطاعتهم تجويز لارتكاب المعصية.
إضافة إلى أن الأمر بالطاعة مطلق، أي تجب طاعتهم في كل شيء، وغير المعصوم لا تجب طاعته في كل شيء، ناهيك عن أن الأمر بطاعتهم معطوف على الأمر بطاعة الرسول، وكلاهما معطوف على الأمر بطاعة الله تعالى. على أن أولي الأمر من الحكام المسلمين ماضيا وحاضرا قد وقعت منهم معاصٍ ومخالفات وكبائر ذنوب يندى منها الجبين.
ثم إن الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة لا سبيل إليهما إلا بالطاعة المطلقة لله ولرسوله والامتثال الكامل لأوامرهما واجتناب نواهيهما، وقد عَلَّق الله تعالى الرحمة وهي عبارة عن اليسر والفلاح والسعادة علَّقها على الطاعة، فقال سبحانه: "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" ﴿آل عمران/ 132﴾.
فبالطاعة ينال المرء الرحمة، وبالمعصية يجلب لنفسه العناء والشقاء في الدارَين. وقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "إنّهُ لا يُدرَكُ ما عِندَ اللَّهِ إلّا بطاعَتِهِ" ورُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "أجدَرُ الناسِ برَحمَةِ اللَّهِ أقوَمُهُم بالطّاعَةِ" وقال: "طاعَةُ اللَّهِ مِفتاحُ كُلِّ سَدادٍ، وصَلاحُ كُلِّ فَسادٍ".
تلك هي الطاعة، وتلك آثارها وبركاتها، ولكنك قد تسأل قارئي الكريم: "لماذا يجب علينا أن نُطيع الله تعالى، ونطيع رسوله وأولياءه؟"
والجواب سهل يسير، لكنه قائم على الإيمان بالله تعالى وأنه هو خالقنا ورازقنا ومُدبِّر أمورنا، وفي هذا لا يناقش عاقل، فلا يجحد وجود الله تعالى إلا الجاهل الذي يحترق بالنار ولكنه ينفي وجودها، أو ينظر إلى الشمس ساطعة في كبد السماء وينفي وجودها.
وعلى كل حال فالله سبحانه باعتباره خالق الوجود ومالكه ومُقَنِّن حركته، وباعتباره خالقنا ورازقنا ومدبر أمورنا، فله علينا أن نطيعه ونمتثل أوامره ونجتنب نواهيه.
ثم إن طاعتنا لله لا تستند إلى ذلك وحسب، بل تستند أيضا إلى اعتقادنا اليقيني بأن الله تعالى هو الأعلم بمصلحتنا الواقعية، والأعلم بما ينفعنا وما يضرنا واقعاً، وأنه تعالى غني عَنّا، لا تنفعه طاعتنا ولا تزيد في ملكه وسلطانه، ولا تضرُّه معصيتنا ولا تُنقِص من مُلكه وسلطانه، وإنما ترجع بالخير علينا وحسب. أضف إلى ذلك أننا عندما نفكر وندقق في جميع ما أمرنا به وما نهانا عنه نجده متوافقاً مع فطرتنا الإنسانية، ومع حكم العقل، كما نجد فيه إكراماً للنفس الإنسانية وتلبية لحاجاتها المختلفة، ونلمس آثاره وبركاته المادية والمعَنوية واقعاً.
إن ذلك يدعونا إلى أن نُطيع الله برغبة منا لا من إكراه، وبحب لا من خوف. لأننا نُدرك إدراكا تامّا أن مصلحتنا تكمن في الطاعة، وشقاءنا يكمن في المعصية، ونتعامل مع الطاعة كمركب يُقِلِّنا إلى غاياتنا، كسفينة تمخر بنا عباب بحر متلاطم الموج إلى بَرِّ الأمان، والدنيا بحر متلاطِمٌ موجها.
ولهذا وصف أمير المؤمنين (ع) المطيع بأنه راكب الطاعة، وهي تنتهي به إلى الجنة فقال: "راكِبُ الطّاعَةِ مَقيلُهُ الْجَنَّةُ" والمَقيل، وهو المكان الذي يُقيلُ في الإنسان ويرتاح ويستقر ويطمئن، وأيُّ مكان أهنا عيشاً من الجَنَّة؟.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: