ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُؤاخَذٌ بِقَوْلِه قَصَّرَ فِي الْمَقالِ

22:45 - August 08, 2025
رمز الخبر: 3501232
بيروت ـ إکنا: إن أكثر ما يفضح الإنسان، ويُسقِطه أو يرفعه هو لسانه، اللسان يفضح باطن الإنسان، "فالمَرْءُ مَخْبُوءٌ وراءَ لِسانِهِ" كما يقول الإمام (ع).

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُؤاخَذٌ بِقَوْلِه قَصَّرَ فِي الْمَقالِ".
 
تتحدث هذه الجوهرة الكريمة عن الإنسان العاقل الذي يتحمَّل مسؤولية ما يصدر منه من أقوال وأفعال، فلا يقول ولا يفعل إلا ما يضمن صحته وسلامة عواقبه، إدراكاً منه بأن كلامه لا يذهب أدراج الرياح بل تترتب عليه نتائج وعواقب سيكون مسؤولاً عنها أمام ضميره أولاً، وأما الناس ثانياً وأمام الله تعالى في الدنيا والآخرة.
 
أغلب الناس قارئي الكريم يستسهلون الكلام، فيطلقون العنان لألسنتهم لتقول ما حَسُنَ وما قبُح من القول من دون تفكير في العواقب، فتراهم يطلقون المواقف دون تفكير في صحتها أو خطئها، ودون تفكير في تناسبها مع المكان والزمان، وتراهم يكثرون من الثرثرة، واللغو، والغيبة، والنميمة، والفُحش، والسبِّ والشَّتم، والبُهتان، والاتهامات الباطلة ومنهم من يستسهل قذف المحصنين والمحصنات، وسوى ذلك من الكلام الذي تنتج عنه عواقب اجتماعية خطيرة.

الكلام قارئي الكريم قد يبدو لنا أن أمره سهل، كلمة تقال، لكن الحقيقة غير ذلك، الكلام يحمل قوة تفوق قوة السلاح، وله تأثير يفوق تأثير آلاف الغارات التدميرية، لقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ" الكلام قد تُبنى به أُمَّة، وقد تُهدَم به، الكلام قد يثير حروباً تدمِّر كل شيء، تأتي على الأخضر واليابس، ويقتل الملايين حين يكون كلاماً فتنوياً، تصريح واحد من سياسي أحمقٍ أو حقود قد يُحدِث فتقاً في الأمة يستحيل رتقه بعد قرون، وفتوى واحدة قد تمتد آثارها لقرون تكفيراً وقتلاً وسبياً. 
 
لهذا يحذّر الإمام (ع) وهو العارف الذي صنعه القرآن وغذَّاه النبي الأكرم (ص) بالعلم والمعرفة التي تتجاوز معرفة الدنيا إلى معرفة الآخرة، يحذِّر من إطلاق العنان للسان من غير وعي أو محاسبة، فحين يدرك الإنسان أن كلماته ليست عابرة، بل محاسَبٌ عليها في الدنيا والآخرة، يمسك لسانه إلا عن الكلام الحق والنافع المفيد، ويزنه بميزان الذهب، وقد يُفَضِّل الصمت على الكلام في معظم الأحيان.
 
وبعبارة أخرى، لا يدعو الإمام(ع) إلى الاقتصاد في الكلام، فقد يقتصد المرء بكلامه، فيقول القليل، ولكن قد يكون قليله هذا مدمِّراً من حيث عواقبه ونتائجه، لذلك يدعو إلى التدبُّر في عواقب الكلام قلَّ أو كثُر، لأن ما يقوله سيؤاخذ به في محكمة العدل الإلهي، فضلاً عن محاكمة الناس له، الناس الذين قد تؤذيهم كلمة، أو تؤدي إلى ظلمهم، أو اغتصاب حقهم، أو النيل من كرامتهم، أو هتك عرضهم، أو استباحة دمائهم.
 
فمن وعى هذه الحقيقة، لن يطلق لسانه على هواه، بل يصبح صامتاً حيث يجب، متحدثًا حين ينبغي، مُقِلًّا إن خشي الزَّلَل من نفسه، أو خشي المَلَل من السامعين، وغزيراً إن كان الكلام نافعاً وهادياً وفيه الصلاح والإصلاح.
 
وهذا معنى قوله (ع): "مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُؤاخَذٌ بِقَوْلِه قَصَّرَ فِي الْمَقالِ" فالتقصير في المقال معناه الكلام المقتضب الحكيم، فالحكيم الذي يعرف عواقب ما يقول يقتضب في قوله، يتكلم بقدر الحاجة ولا يزيد عنها، ويدقق في كلامه كما يدقق في مأكله ومشربه، ويختار ألفاظه بعناية كما يختار دواءه، لمعرفته بأنه مؤاخذ على كل كلمة تصدر منه.
 
إن أكثر ما يفضح الإنسان، ويُسقِطه أو يرفعه هو لسانه، اللسان يفضح باطن الإنسان، "فالمَرْءُ مَخْبُوءٌ وراءَ لِسانِهِ" كما يقول الإمام (ع)، فإذا علم الإنسان أن الكلام يُنبِئُ عن مكنونه وجوهره، وعلم أنه مسؤول عنه أمام الله، وأمام الناس، وأمام التاريخ، فإنه بلا شك سيتأنّى، ويتروى، ويحترز، ويزن كل حرف، وقد قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴿16﴾ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴿17﴾ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴿ق: 18﴾.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات الدينية السيد بلال وهبي
captcha