ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ..

معرفة الزمان بجميع خصوصياته شرط ضروري لتلافي الأخطاء

16:21 - February 25, 2023
رمز الخبر: 3490114
بيروت ـ إکنا: إنَّ معرفة الزمان بجميع خصوصياته شرط ضروري لتلافي الأخطاء، ومواجهة التحديات، والتحسُّب لطوارئ الأيام، كما أنها شرط ضروري لبناء مستقبل واعد باعتبار أن المستقبل تشاد أركانه على مجريات الحاضر وأحداثه.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَعْرَفُ النّاسِ بِالزَّمانِ مَنْ لَمْ يَتَعَجَّبْ مِنْ أَحْداثِه".

وللزَّمان أحداث وأحداث، كل ما يجري فيه أحداث، الزمان نفسه أحداث متصلة متواصلة، تعظم أو تصغر، بعضها طبيعي اقتضته مشيئة التكوين الإلهي، تجري وِفق سُنَنٍ ربّانية صارمة، لا تتبَدّل ولا تتَحَوَّل، وفي أوقات دقيقة لا تتَقَدَّم ولا تتأَخَّر، تحدُثُ عندما تتكامل أسبابها وعِلَلُها، وهذه أحداث على الإنسان أن يتوقَّعها كل يوم بل كل ساعة، وأن يبذل الجهود الكافية لِفَهم أسبابها، وكيفية جريانها، وآثارها المباشرة أو غير المباشرة عليه، كي يتسنَّى له يتعامل معها بوعي، وأن يستفيد من إيجابياتها، أو يتلافى قدر ما يمكن من آثارها السلبية، ولله الحمد أَنْ قد وهبَهُ اللهُ العقل، وأعطاه قدرة جبارة على التفكير والتحليل والفهم، واجتراح الحُلول المُلائمة لكل ظاهرة من ظواهر الأرض التي يعيش عليها، والكون الذي هي جزء منه.

ووبعضٌّ آخَر من الأحداث يتحمَّل الإنسان نفسه المسؤولية عنها، وهي الأحداث الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، وسوى ذلك من الأحداث التي يستحيل أن تحدث من دون أسباب مباشرة أو غير مباشرة يتسبب الإنسان بها، وهي أيضا تجري وفق سُنَنٍ ربّانية صارمة لا تتخلَّف، ولا تتبدَّل ولا تتَحَوَّل، وفي إمكان الإنسان أن يتعرَّف على تلك السُّنَنِ، ويفهمها، ويفهم أسبابها، ويعرف ما يترتب عليها من آثار إيجابية أو سلبية.

وتفترق الأحداث التي يتسبب بها الإنسان، عن الأحداث والظواهر الكونية، بفارق في منتهى الأهمية يدركه الإنسان، وهو: أن معظم الأحداث والظواهر الكونية لا يمكن للإنسان أن يتحَكَّمَ بها، مهما بلغ من القوة والقدرة والعلم، نعم يمكنه التعامل معها، أما الأحداث والظواهر التي هو مسؤول عنها فيمكنه بلا شَكٍّ أن يُحدِثَها، أو يمنع حُدوثها، باعتبارها خاضعة لإرادته ومشيئته، فهو الذي يتسبب بها لا سواه، لكنه يعجز عن منع حدوثها إذا تظافرت أسبابها وتكاملت عِلَلُها.

إن ما نستفيده مما سبق أنَّ الإنسان العارف بأحداث الزمان وقوانينه الصارمة لن يتفاجأ بما يكون فيه، ولن يَتعَجَّب منها، بل يمكنه أن يتوقَّعها، ويستشرفها، ويحدد مساراتها ومآلاتها وآثارها ونتائجها، وهذا معنى قول أمير المؤمنين (ع): "أَعْرَفُ النّاسِ بِالزَّمانِ مَنْ لَمْ يَتَعَجَّبْ مِنْ أَحْداثِه". يقابله الإنسان الجاهل بأحداث الزمان وقوانينه، وخصائصه وضروراته، وما يجري فيه من متغيرات، أو ذاك الذي لا يبالي بما يحدث، ولا يبادر إلى القيام بدوره المطلوب في توجيه الأحداث وصناعتها، فإن أحداث الزمان تفاجئه وتعصف به على حين غفلة منه، قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "مَنْ أَمِنَ الزَّمانَ خَانَهُ".

ولا شَكّ قارئي الكريم في أن ما سبق، يوجِب على الإنسان أن يعرف زمانه، وما يجري فيه من أحداث، خصوصاً تلك التي يتسبب هو بها، فإن لكل عصر أحداثه، وأهله، وخصائصه، وضروراته، وحاجاته، وأولوياته، وكلها تنطلق من المتغيرات الاجتماعية والفكرية، والثقافية، والعلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والاقتصادية الطارئة على مسرح الحياة، والتي تؤثِّرُ على حاضره ومستقبله الدُّنْيَوي والأُخرَوي ، فكل ذلك يجب أن يكون الإنسان وخصوصاً المؤمن عارفا به، كي لا يتفاجأ ولا يرتَبِكَ، ولا ييأس عندما تدلَهِمُّ خطوب الزمان، فلا يَقْنَطُ عندما تشتعل أزماته، ولا يبطر عندما تستوي أيامه، ويتمكن من التعامل مع أحداثه بوَعي وذكاء وحِرَفية، فيستفيد مِمّا يمكن الإستفادة منه، ويتلافى ما يجب أن يتلافاه من نتائج سلبية، ولا يجوز له بحالٍ من الأحوال أن يكون جاهلا بها، أو ألا يهتَمَّ بمعرفتها، كي لا يعيش خارج زمانه، وإن عاش فيه كان مجرد كائن يتلقى الأحداث دون أن يساهم في صناعتها أو مُساهماً في معالجتها.

إنَّ معرفة الزمان بجميع خصوصياته شرط ضروري لتلافي الأخطاء، ومواجهة التحديات، والتحسُّب لطوارئ الأيام، كما أنها شرط ضروري لبناء مستقبل واعد باعتبار أن المستقبل تشاد أركانه على مجريات الحاضر وأحداثه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha