ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

السُّرور في الدنيا يُختَلَسُ اختلاساً

19:13 - March 03, 2023
رمز الخبر: 3490201
بيروت ـ إکنا: السُّرور في الدنيا يُختَلَسُ اختلاساً، إننا نختلس لحظاته لنفوز به فيها، إذ ليس هو في أيدينا، ولا أمراً نملكه، ولا في إمكاننا أن نقرر أن نكون مسرورين، فالهموم والمتاعب والأحزان تحيط بينا من كل ناحية، وتهجم علينا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أوْقاتُ السُّرُورِ خِلْسَةٌ".

السُّرور، الفرح، الاغتباط، الاستبشار، الارتياح، الابتهاج، الحبور، جميع هذه الكلمات وسواها خفيفة على السمع مؤثِّرة في الفؤاد، عندما يسمعها الإنسان أو يقولها تنتشي لها نفسه، وتتداعى في القلب كل المعاني الطيبة، فالسُّرور حاجة إنسانية أصيلة في تكوينه، وإنه ليقضي كلَّ أيامه في الدنيا راغباً به وباحثاً عنه، ومُجِداً في طلب أسبابه، فتارة يعتقد أنه يكمن في حيازته المال، فإذا حاز المال فقده، وإن بقي في يديه فإن هموم تحصيله وحفظه واستثماره، والخوف من نقصه أو تلفه أو ضياعه أو سرقته تُنسيه سروره العابر، وتارة أخرى يعتقد أن السلطانَ والجاه يجلبانه إليه، فإذا بلغهما تراكمت عليهم الهموم والغموم، وقد يعادي الناس من أجلهما، وفي العداوة أحزان وأحزان، وقد يظلم الناس من أجلهما وفي الظلم ما فيه من تأنيب الضمير والندم والحسرة، وقد يخاف خسارتهما وفي ذلك من القلق والتوتر والخوف ما يجعل الإنسان حيراناً.

وهكذا الحال في جميع ما يعتقد أنها أسباب تجلب له السُّرور فإذا بها تجلب إليه الهموم والغموم والأحزان، ولئن جلبته إليه بداية الأمر فإنها لا تمسك به من أن يذهب سريعاً، وهذا ما تثبته التجربة الإنسانية المُعاشَةُ، فإننا نرى أن أوقات السُّرور قصيرة، وقد تكون نادرة بالقياس إلى طول أوقات الهموم والمتاعب والأحزان والأمراض والابتلاءات.

وقد عبَّر الإمام أمير المؤمنين (ع) عن هذه الحقيقة بعبارة في منتهى البلاغة إذ قال: "أوْقاتُ السُّرُورِ خِلْسَةٌ" فالإنسان يختلِس السُّرور اختلاساً، كأنه يسرقه بسرعة كما يسرق السارق الشيء وهو يخاف أن ينكشف أمره، إذ إن الاختلاس يعني: أخذ الشيء من مالٍ أو غيره بسُرعة بحضرة صاحب ذلك المال ثم الهرب به، سواءٌ جاء المُختلِسُ جِهاراً أو سِرّاً، كأن يمد يده إلى جيب إنسان فيأخذه.

بلى: السُّرور في الدنيا يُختَلَسُ اختلاساً، إننا نختلس لحظاته لنفوز به فيها، إذ ليس هو في أيدينا، ولا أمراً نملكه، ولا في إمكاننا أن نقرر أن نكون مسرورين، فالهموم والمتاعب والأحزان تحيط بينا من كل ناحية، وتهجم علينا من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، والسرور موجود ولكنه مخبوء كوجود الذهب في التراب، فإن وجدناه اختلسناه كمن يختلس شيئاً على غفلة من صاحبه، فكأننا نُغافل الزمان الذي يبخل علينا بسروره القليل فهو يُحرِزه في مأمَنٍ مِنّا.

السرور قصير وقته، إن جاء فإنه لا يدوم ولا يبقى، فلا ينبغي توقُّع دوامه، فإن أدركناه لا يجوز أن نبطر ونظن أنه باقٍ في أيدينا، وإن فقدناهُ لا يجوز أن تتأثَّر حياتنا، فتلك طبيعته يأتي سريعا، ويذهب سريعاً.

بناء على ما سبق سيكون علينا أن نبحث عن مواطن السرور الحقيقي، والسرور الحقيقي يدوم ولا يقتصر على الدنيا بل يتصل بالآخرة كذلك، وإن من دواعي السرور الحقيقي الطاعة لله، وفعل الخيرات، وإدمان العبادة، والزهد في الدنيا، والاستهانة بالمفقود منها، والقناعة، والرضا، وخُلُوّ الصدر من الغِلِّ والحِقد والحَسَد، وطلب العلم، والعمل به، ومجالسة العلماء والحكماء، وبذل الجهد في إصلاح النفس وتهذيبها، والكون مع الصادقين، ولزوم الحق، واليقين، وإخلاص العمل، واللِّين مع الناس، والسَّعي في إصلاح الناس، والإصلاح بينهم.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

أخبار ذات صلة
captcha