ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّةٌ...

إيثار الراحة والدِّعَة على العمل يُفَوِّتُ على الإنسان مصالحه

11:16 - February 28, 2023
رمز الخبر: 3490161
بيروت ـ إکنا: إن إيثار الراحة والدِّعَة على العمل والسعي يُفَوِّتُ على الإنسان مصالحه ومنافعه، بل يفَوِّتُ عليه حاجاته الضَّرورية اليومية، ومعه لاينبغي للعاقل الذي يقدر ذاته، أن يكون كَسولاً نَوّاماً، يقضي ليله نائماً في فراشه، ونهاره مُتَّكئاً على أريكته، ثم يطلب من هذا وذاك طعامه وشرابه ومختلف حاجاته.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِيثارُ الدَّعَةِ تَقْطَعُ أَسْبابَ الْمَنْفَعَة".

مَنْ مِنَّا قارئي الكريم لا يحِبُّ الرّاحة ولا يرغب بها، ومَنْ مِنّا يفضِّل التعب والنصب عليها، بالتأكيد لا أحد، الراحة ليست تَرَفاً، إنها حاجة ضرورية للإنسان، لكنها كسواها من الحاجات يجب أن تنال المقدار الكافي، لا تنقص عنه ولا تزيد كي لا تُحدِث له في الحالَين مشاكل بدنية وصحّيَة تُنْهِكُ بدَنَه، ناهيك عن آثارها النفسية والحياتية عليه، ولذلك يوجِب العقل والشرع على الإنسان أن يوازن بين الرّاحة والتعب، وبين الدِّعة والعمل والطلب، فيجعل لكلٍّ منهما وقته الكافي، والمؤمن بالخصوص إنسانٌ متوازن في جميع أموره، في عقيدته، وشريعته، وقيمه، وسلوكه، وفي أعماله وحاجاته.

والله اللطيف الخبير، والعليم الحكيم لم يترك هذا الجانب من حياة الإنسان، بل من حياة الكائنات الحيَّة كلها، فهو الذي خلقها وأبدعها، ويعلم حاجاتها المادية والنفسية، ويعلم حدود قابلياتها وقدراتها، ويعلم ما ينفعها وما يضرّها، ولذلك شاءت حكمته أن يُوَزِّع يومها على وحدتين زمنيتين، إحداهما للعمل والنشاط والكسب وطلب الرزق، والثانية للراحة والسكينة والدِّعة، فجعل الليل ليسكن فيه الخلق، وجعل النهار ليطلبوا فيه معاشهم ويقضوا فيه حوائجهم، وكان ذلك واللهِ من أجَلِّ نِعَمه عليهم، ومن أعظم مظاهر لُطفه بهم، فضلاً عن كونه تَجَلياً لحكمته وإتقان خلقه وتدبيره.

وقد نَبَّه في كتابه الكريم إلى تلكم النعمة الكبرى في الكثير من آياته المقدسة، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ"﴿67/ يونس﴾.

وقال تعالى: "وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"﴿73/ القصص﴾ فَعِلَّة جَعْلِ الليل هي السَّكن والراحة والهدوء، والإنسان يحتاج إلى ذلك لتجديد طاقة بدنه وترميم ما ينقص منها حين العمل، وعِلَّةُ جعل النهار توفير الفرصة للعمل والسعي والطلب، وبهذين الجناحَين يُحلِّق الإنسان في فضاء تكامله المادي والمعنوي، فإذا تعِب ارتاح، وإذا ارتاح قام إلى العمل بهمة ونشاط وحيوية.

وكما ترى قارئي الكريم فإن على الإنسان أن يستفيد من كلتا النعمتين، نعمة الليل، ونعمة النهار، الليل للراحة، والنهار للعمل، استجابة لحاجاته المختلفة، إذ كما يحتاج إلى الراحة، فهو يحتاج إلى العمل، فبالعمل يحصل على حاجاته وضرورياته وكماله وكمالياته، ولكن البدن يتعب، والنفس تكِلُّ وتَمَلُّ، فتحتاج إلى ليل تسكن فيه وترتاح، فالراحة شرطٌ ضروري لقدرة الإنسان على العمل، والعمل هو الغاية من وجوده في الحياة الدنيا، كما ينصُّ القرآن الكريم: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"﴿2/ المُلكُ﴾.

فليس لنا قارئي الكريم أن نُؤثِرَ الرّاحة دائماً على الطلب والسَّعي والكَدِّ، لأن العمل هو السبيل الأوحد للحصول على حاجاتنا المختلفة، ولو كانت الدِّعَة والراحة تأتينا بشيء منها لخلقنا الحكيم الخبير العليم على ذلك، أي لخلقنا كُسالى، ولَما أودع في نفوسنا الهمة والحيوية والنشاط. ولو تكفل لنا بحاجاتنا دون أن نسعى إليها ونعمل من أجلها فما معنى وجودنا إذا، وما معنى ما وهبنا الله من طاقات وقُدُرات خلَّاقة، وما معنى ما أنعم به علينا من قدرة على التفكير والإبداع، وكل ذلك عمل ويحتاج إلى جهود قد تكون مُضنية.

وعليه: فإن إيثار الراحة والدِّعَة على العمل والسعي يُفَوِّتُ على الإنسان مصالحه ومنافعه، بل يفَوِّتُ عليه حاجاته الضَّرورية اليومية، ومعه لا ينبغي للعاقل الذي يقدر ذاته، أن يكون كَسولاً نَوّاماً، يقضي ليله نائماً في فراشه، ونهاره مُتَّكئاً على أريكته، ثم يطلب من هذا وذاك طعامه وشرابه ومختلف حاجاته.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

captcha