
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ عَمَلٍ أَفْسَدَتْهُ الْنِيَّةُ".
وتحتَل النِّيَّة أهمية كُبرى في الإسلام فهي التي تعطي العمل الإنساني قيمته الحقيقية، وعلى أساسها يتُمُّ تقييم العمل والعامل، لأن النيَّة هي الأداة التي تكشف عن حقيقة ما يُكِنُّه العامل في نفسه، بخلاف العمل ذاته فأنه لا يكشف عما يُضمره العامل إذ يمكن أن يفعله بصورة مغايرة لما يُكِنُّه في نفسه، إنك ترى شخصاً يعطي مالاً لفقير فقد يفعل ذلك بنية طَيِّبة صادقة، يعطيه ليعينه وحسب، وقد يفعله بنيَّة خبيثَةٍ، يعطيه ليذله، والفرق واضح بين الحالَين، والبَونُ شاسع من حيث النِّيَّة، وإن كان الظاهر واحد في الحالَين.
ولمَّا كانت النِّيَّة هي الدافع إلى العمل، كان صدقها شرطاً في قبوله، فإن صدقت تمَّ العمل، وإن فسدت النية فَسد العمل وإن كان ظاهره جميلاً خلّاباً، رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "يا أيُّها النّاسُ، إنّما الأعمالُ بالنِّيّاتِ، وإنّما لِكُلِّ امرئٍ ما نَوى...".
فالله سبحانه يجازي على النوايا، فإن كانت النية لله كان العمل لله فيثيب عليه، وإن كانت لغير الله وَكَلَ اللهُ العاملَ لِمَن عمل لهم يطلب الثواب منهم، كما أن التوفيق الرباني للعامل يأتيه بحسب نيته، فإن كانت لله كان العمل لله فالعامل يُمَلِّكُ عمله لله، وما يَمْلُكُهُ الله يهيئ له جميع أسباب نجاحه، فيتحقق لا محالة، ويجني العامل جميع ثماره المرجوة، رُوِيَ عن الإمامُ الصّادقُ (ع) أنه قال: "إنّما قَدَّرَ اللّهُ عَونَ العِبادِ على قَدرِ نِيّاتِهِم، فمَن صَحَّت نِيَّتُهُ تَمَّ عَونُ اللّهِ لَهُ، ومَن قَصُرَت نِيَّتُهُ قَصُرَ عَنهُ العَونُ بقَدرِ الّذي قَصُرَ".
والنِيَّة محلها القلب، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال والأفعال، ولهذا لا يجب النطق بها، فلا يُقبل أمر إلا بنية، فلو نطق بعقد زواج أو أوقع طلاقاً لفظيا ولم يك ذلك عن نية حقيقية جادَّة فلا يقع الزواج ولا يقع الطلاق، وهذا يدل على قيمة النية وأهميتها في تحقق الفعل وفي قبوله وترتب الآثار النفسية والجزائية والثواب الأخرى عليه، فرُبَّ عمل ظاهره صالح ولكنه لا ينفع صاحبه لفساد نيته، أو تحويلها لغير محلها، وما أكثر الأعمال التي تذهب سُدىً لغفلة عاملها عن الله سبحانه والله هو الذي يتقبل العمل ويثيب عليه، وهو العالم بدواخل الإنسان وبواطنه.
الأمر الذي تجب الإشارة إليه هنا أن تأكيد الإسلام على النِّيَّة له أثر عظيم على العامل فضلاً عن العمل، أما العمل فمعلوم أن قبوله مشروط بسلامة النية، وإذا قَبِلَه الله هيَّأ له أسباب نجاحه، وأما العامل فإن يقينه بأن النية هي ميزان العمل عند الله ويقينه بعلم الله وإحاطته بها فإن ذلك يُصلحه واقعاً ويُصلح داخله وباطنه، فيصير باطنه كظاهره، وإذا صار كذلك برء من النفاق والرياء، وصار في كل حال من أحواله خالصاً زاكياً.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: