ایکنا

IQNA

جواهر علوية....

برّ الوالدين والإحسان إليهما

16:29 - September 19, 2023
رمز الخبر: 3492752
بيروت ـ إکنا: إن آباء يكدحون في أحوال مختلفة آمنة تارة وقلقة أخرى، في حرب وفي سلم، فلا يُشكَرون، وأمهات يحملن ويُرضعن ويُطعمن ويسقين ويسهرن ويربين ويُضحِّين ثم يشبُّ الولد ويكبر ولا يلتفت إلى تلك الوردة التي أذهبت الأيام ومتاعبها ومشقاتها نضارتَها ويثقل عليه أن يقول لها شكراً.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ كادِحٍ لِمَنْ لا يَشْكُرُهُ".

بلى ما أكثر الكادحين المكافحين الساعين وراء لقمة الحلال لهم ولعيالهم، وما أكثر الذين يصلون الليل بالنهار يطلبون رزقهم ورزق من يعيلون، يقاسون برد الشتاء وحَرَّ الصيف ويواجهون مخاطر المرض، والسرقة، والقتل، ليبنوا لمن يهتمون لهم حياة كريمة رغيدة، وما أقلَّ الذين يشكرونهم ويمتنون لهم ويعترفون لهم بالفضل، والشكر قليل في جنب ما يفعلون، ورغم ذلك يصعب عليهم أن يقولوا لهم شكراً، والشكر سهل على اللسان، لا كلفة فيه ولا تعب، لكن كلمة شكراً صعب على لسانهم أن ينطق بها، خروجها من حلقه أصعب من خروج الروح، ونطق اللسان بها أمر عليه من تذوق العلقم.

آباء يكدحون في أحوال مختلفة آمنة تارة وقلقة أخرى، في حرب وفي سلم، فلا يُشكَرون.

وأمهات يحملن ويُرضعن ويُطعمن ويسقين ويسهرن ويربين ويُضحِّين ثم يشبُّ الولد ويكبر ولا يلتفت إلى تلك الوردة التي أذهبت الأيام ومتاعبها ومشقاتها نضارتَها ويثقل عليه أن يقول لها شكراً، بل قد يتبرَّم من أي قصور يكون منها وينزعج ويرفع صوته عالياً في وجهها.

وإنهما ليقضيا عمرهما في السعي والكدح، والبذل والعطاء، لا يبخلا بشيء مما في أيديهما، بل ولعلهما يضيقا على نفسيهما ليهنأ الولد ويرتاح، ويدخرا المال وهما أحوج ما يكونا إليه ليشتريا له عقارا يرثه بعد موتهما، ثم إذا ما ماتا ينساهما بعد يوم، وينصرف إلى استثمار ما ورَّثاه، لا يشكر لهما ولا يذكرهما بدعاء أو بثواب ذكر. 


هذا معنى من معاني قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "رُبَّ كادِحٍ لِمَنْ لا يَشْكُرُهُ"، فإن كان هذا مراده فهو كثير، كثير، ولكثرته أوصى الله تعالى في كتابه الكريم بالشكر للوالدين فقال: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"﴿لقمان/14﴾ وأوصى بالإحسان إليهما انطلاقا من أن جزاء الإحسان بالإحسان فقال: "وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..."﴿الإسراء/ 23﴾. 

وقد يكون مراده (ع) ذلك الشخص الذي يتبرَّع بالسَّعي لمن لا يريد منه ذلك، كأن يحشر أنفسه فيما لا يعنيه، أو يتبرع بوساطة بين اثنين لا يريدان منه ذلك، أو يسعي لتعريف شخص إلى شخص لا يريده، أو يشفع لواحد عند آخر لا يريد منه أن يشفع له.

وقد يكون مراده (ع) ذلك الشخص الذي يعمل في خدمة زعيم من الزعماء، فيكدح في الدعوة له والعمل من أجله، ويدافع عن مصالحه ومنافعه، رغم أن ذلك الزعيم لا يشكر له جهده وكدحه، وقد لا يراه ولا يعرفه، وإذا جاءه يوما طالباً خدمة يُغلق بابه في وجهه.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter



captcha