ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

علينا أن نعاشر الناس ونجربهم في المواقف المختلفة

14:10 - September 03, 2023
رمز الخبر: 3492574
بيروت ـ إکنا: علينا أن نعاشر الناس ونجربهم في المواقف المختلفة والظروف المتعددة ثم نحكم عليهم بالسلب أو بالإيجاب.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "خَوافِي الْأَخْلاقِ تَكْشِفُهَا الْمُعاشَرَةُ".

ويقال في العامية لمن يدعي معرفة تامة بشخص من الأشخاص: هل تعرفه؟ فيقول: نعم. فيقال له: هل جرَّبتَه؟ فيقول: لا. فيقال له: إذاً أنت لا تعرفه.

وهذه المحاورة التي تحدث كثيراً بين عامة الناس هي تعبير عن معيار دقيق في معرفة الناس والتعرف على بواطنهم وما تُكِنُّه صدورهم مما لا يظهرونه للآخرين في علاقاتهم العابرة التي يَقِل فيها الخطأ عادة، إذ لا يتصرف الشخص فيها بأريحية، وإن كان منه خطأ فلا يلتقطه إلا الحاذق النبيه.

ولذلك نجد أنفسنا مدهوشة مذهولة مِمّا ظهر لها بعد مدة طويلة قضيناها مع هذا الشخص أو ذاك، فظهر لنا ما كان خافياً عَنَّا.
 
والعِشرة الطويلة، والمواكبة القريبة، والتجربة الشخصية مع الآخرين، كل ذلك هو الذي يُعَرّفنا على حقيقتهم، ويُظهر لنا فضائلهم ورذائلهم، ويكشف لنا خوافي أخلاقهم، ولذلك سيكون خطأً فادحاً أن نُسارع إلى تصديق كل أحد، والثقة به، والاعتماد عليه، لأننا استمعنا إليه مرة يتكلم، أو عاملناه معاملة عابرة، أو رأيناه في موقف سريع.

وصحيح أن علينا أن نتعامل مع الناس على ظاهرهم لا على بواطنهم كما أوصانا الإسلام الحنيف تسهيلاً للحياة الاجتماعية، ولكن بعض الناس لديهم مهارة فائقة في تقديم أنفسهم إلينا بطريقة لا تُثير الارتياب، يقدمون أنفسهم مُخلصين مُحبين يريدون مصلحتنا والخير لنا، ولكنهم يخفون في نفوسهم شياطين ووحوشاً كاسرة مفترسة، ويتحيَّنون فرصة الانقضاض علينا. 

وبأسف أقول: إن مثل هؤلاء كثير، ولديهم قدرة فائقة على تقديم أنفسهم بشكل لائق يغش البصر ويغش العقل وقد يغش القلب، رغم أن للقلب إلهاماته الخاصة به والتي غالبا ما تُصيب. 

وحدها المعاشرة الطويلة هي التي تكشف لنا معادن الناس وطبائعهم الحقيقية، فكم من شخص كنا نحسبه صادقا فأظهرت العِشرة كذبه، وكم من شخص كنا نحسبه صادق المودة فإذا بالعشرة تكشف خلاف ذلك، وكم من شخص كنا نرى ظاهره حَسَناً ولربما وصفناه بالتقي العادل فإذا بالأيام أظهرت عكس ذلك، وكم من شخص مَحَضناه ثقتنا فبانت خيانته عندما أمكنته الفرصة.

وشخص ظننا أنه طيِّبَ القلب نقِيَّ السريرة فلما عاشرناه وجدناه حَسوداً حقوداً. وشخص حسبناه كريماً فَلَمّا رافقناه في سفر وجدناه بخيلاً شحيحاً. وشخص راهنا عليه أن يقف إلى جانبنا في اللحظات الحرجة فلما دهمنا الضيق أو اعتُدِيَ علينا تخلّى عنّا سريعاً ونفض يديه من أمرنا. 
 
ولذلك من الضروري اختبار الأشخاص قبل منحهم شهادة النجاح أو علامات الفشل، ولذلك جاء في الروايات الشريفة التأكيد على اختبار الشخص الذي نريد بناء علاقة شراكة أو صداقة معه، فقد جاء عن الإمامُ الصّادقُ عليه (ع): "مَن غَضِبَ علَيكَ مِن إخوانِكَ ثلاثَ مَرَّاتٍ فلَم يَقُلْ فيكَ شَرّاً، فاتَّخِذْهُ لنفسِكَ صَدِيقاً" وعنه (ع) أنه قال: "لا تُسَمِّ الرَّجُلَ صَدِيقاً سِمَةَ مَعرِفَةٍ حتّى‏ تَختَبِرَهُ بثلاثٍ: تُغضِبُهُ فَتَنظُرُ غَضَبَهُ يُخرِجُهُ مِن الحَقِّ إلى الباطِلِ، وعندَ الدِّينارِ والدِّرهَمِ، وحتّى‏ تُسافِرَ مَعهُ".

لذلك كله علينا أن نعاشر الناس ونجربهم في المواقف المختلفة والظروف المتعددة ثم نحكم عليهم بالسلب أو بالإيجاب.
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha