ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

المعرفة حاجة إنسانية ضرورية

12:34 - September 22, 2023
رمز الخبر: 3492778
بيروت ـ إکنا: لايختلف اثنان في أن حاجة الإنسان إلى المعرفة تساوي حاجته إلى الطعام والنوم، فالمعرفة حاجة إنسانية ضرورية يحتاجها الانسان في مختلف المجالات والصعد.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ مَعْرِفَةٍ أَدَّتْ إِلى تَضْليلٍ".

لايختلف اثنان في أن حاجة الإنسان إلى المعرفة تساوي حاجته إلى الطعام والنوم، ولئن كان الطعام والنوم وسواهما يلبيان حاجة البدن إلى الطاقة والراحة، فإن المعرفة تلبي حاجاته المادية والمعنوية معاً، حياته تقوم على المعرفة، وعلاقاته فيها تقوم على المعرفة، وحصوله على إجابات لأسئلته الملحة تعتمد على المعرفة، وفهمه للطبيعة وكيفية الإفادة منها يقوم على المعرفة، فالمعرفة حاجة إنسانية ضرورية يحتاجها في مختلف المجالات والصعد.

وقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر(ع): "لا يُقبَلُ عَمَلٌ إلّا بِمَعرِفَةٍ، ولا مَعرِفَةٌ إلّا بِعَمَلٍ، ومَن عَرَفَ دَلَّتهُ مَعرِفتُهُ عَلَى العَمَلِ، ومَن لَم يَعرِفْ فَلا عَمَلَ لَهُ".

ولايختلف اثنان في أن الإنسان يولَد خالياً من المعرفة ويبدأ بالبحث عنها والتزود منها يوماً بعد يوم إلى أن يغادر الحياة الدنيا، وكلما عرف شيئاً طلب معرفة شيء آخر ولا يكتفي في المعرفة بصعيد واحد إذ لديه نَهَمٌ في معرفة أي شيء مما يفيده مباشرة ومما لا يفيده، ورغم ذلك يطلبه لأنه يقدس المعرفة ويرى أن قيمتها ذاتية، لكن من المؤكد أنه أكثر ما يهتم بالمعرفة التي تجيب على أسئلته المصيرية الكبرى، من فهم الوجود وفهم سبب وجوده ودوره في ومن أين جاء، وإلى أين ينتهي وهكذا، وكلما كبر في السِّنِّ زاد نَهَماً بالمعرفة وتَعَمَّقت أسئلته أكثر ثم يغادر الدنيا وهو على يقين من أن ما عرفه أقل بكثير مما ينبغي أن يعرفه.

وقد بحث الفلاسفة عن المعرفة ومصادرها، وقد بذلوا في الإجابة عليه جهوداً جبارةً امتدت منذ فجر البشرية إلى يومنا هذا، وسيظل السؤال عن مصادر المعرفة حاضراً وستظل المدارس الفلسفية تجيب بأجوبة مختلفة طبقاً لاختلافها في المنطلقات والمباني والمناهج.

أما الدين فلم يترك هذه الساحة، لأنه جاء لخدمة الإنسان، ولأن الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه هداية الإنسان وإرشاده إلى الغاية التي خُلق لها والطريق الموصل إليها، ولو لم يفعل ذلك لكان عابثاً في فعله (تعالى عن ذلك علوا كبيراً) لذلك حضر الدين بقوة في هذه الساحة وطرح ما لديه، وأجاب على جميع الأسئلة الوجودية والفكرية، وحدد موقفه من مصادر المعرفة، فذكر أنها عبارة عن:  

أولاً: الحس والتجربة: وهذا أول الطرق وأيسرها إدراكاً لدى الإنسان.

ثانياً: العقل والتحليل: وهذا الطريق أدق من الأول وأهم، بل إن طريق الحس والتجربة لا يمكنه الاستغناء عن العقل في استنتاجاته، وتبريراته.

ثالثاً: الفطرة والوجدان: وتعني ما يجده الإنسان في نفسه بلا تعلم ولا تلقين، بل يدركه بمجرد تصوره والالتفات إليه، نتيجة ما أودعه الله تعالى فيه، وفطره عليه، وهو على قدر كبير من الأهمية لاعتماده على البديهيات، التي تدركها النفس، بمجرد التوجه إليها ومواجهتها، بحيث يمكن القول أنه جزء منها. وهو أدق من الطريقين الأولين، لأن احتمالات الخطأ فيه أقل منهما، حيث إن أدوات الإحساس قد تخطئ كثيراً.

رابعاً: الوحي السماوي: وهذا الطريق من أهم طرق المعرفة عند أتباع الديانات السماوية، نظراً لإمكان الخطأ والانحراف في الطرق الثلاثة الأولى، بخلاف طريق الوحي فلا مجال لتوهم الخطأ فيه، لأنه عبارة عن الاتصال بالمبدأ الأعلى والأخذ منه مباشرة.

خامساً: الكشف والشهود: وهذا الطريق يعتمده فلاسفة الإشراق، والعرفاء والمتصوفة، ويرون أنه أرقى مرتبة من طريق الاستدلال العقلي، لأنه يوصل إلى اليقين مباشرة وبدون واسطة.

هذه هي مصادر المعرفة التي لا يمكن الاستغناء بواحد منها عن البقية، كما هو الحال عند الأوروبيين الذين يكتفون بالحِس مصدراً وحيداً للمعرفة، وهذا ما أدى إلى أن يحرموا أنفسهم من معارف راقية وجليلة، وأن يبتعدوا تاليا عن الدين بل يعادوه ويعملوا خلاف ما يدعوا إليه حتى ضَلُّوا وأضلوا.

إن على أجيالنا الصاعدة أن تكون حذرة في تلَقّيها المعارف فإنها اليوم تتعرض لهجوم معرفي ثقافي قِيَمي خطير سُخِّرت له إمكانيات هائلة، ووضعت له وسائل خطيرة، وهو يعتمد أساليب برَّاقة غشاشة وله قدرة رهيبة على تسويق الباطل حقاً والضلال هدى.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

twitter

captcha