ایکنا

IQNA

جواهر علوية....

الحِرص من الأخلاق الذميمة

23:27 - October 03, 2023
رمز الخبر: 3492914
بيروت ـ إکنا: الحِرص من الأخلاق الذميمة، وهو رذيلة متعلقة بقوة الشَّهوة لدى الإنسان، وشدَّة تعلقه بالدنيا، وفي الحِرص تناقض عجيب، فالحريص يطلب النعمة ويفر منها في آنٍ، يريد المال لدنياه لكنه لا يقوى على إنفاقه فيها، يجمعه لها ثم يبخل به عنها، فيقضي حياته لاهِثاً وراء سراب، كلما جمع مَزيداً من المال وجده قليلاً فازداد طلباً له.

 رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ حَريصٍ قَتَلَهُ حِرْصُهُ".

الحِرصُ: الجَشَع، والإفراط في الرغبة، والشَّرَه إلى المطلوب وتعلُّق النفس، وتعبئة مجهود للاحتفاظ بشيء يرى أنه يجلب له نفعاً، أو يذهب بضُرّ.

وقد عرَّفه الإمام أمير المؤمنين (ع) بقوله: "هُوَ طَلَبُ الْقَلِيلِ بِإضَاعَةِ الْكَثِيرِ" وهو تعريف دقيق يوضح حال الحريص ويكشف عن جهله، فهو يحرص على القليل الذي في يده فيبخل على نفسه ويعيش حياة ضَنكاً فلاينفق عليها حتى في الضروريات خوفاً من ذهاب المال أو نقصانه، رغم كثير ما يملك وقدرته على العيش الرغيد الكريم، ولو كان عاقلاً لأنفق دون تقتير ودون تبذير وإسراف، فيعيش في الدنيا عيشة المُعدَم الذي لا يملك المال وجيوبه مشحونة به، يكدِّسه في خزائنه وهو أحوج ما يكون إليه، فيُضيِّع الكثير وقد كان في إمكانه أن يتنعَّم به.


والحِرص من الأخلاق الذميمة، وهو رذيلة متعلقة بقوة الشَّهوة لدى الإنسان، وشدَّة تعلقه بالدنيا، وفي الحِرص تناقض عجيب، فالحريص يطلب النعمة ويفر منها في آنٍ، يريد المال لدنياه لكنه لا يقوى على إنفاقه فيها، يجمعه لها ثم يبخل به عنها، فيقضي حياته لاهِثاً وراء سراب، كلما جمع مَزيداً من المال وجده قليلاً فازداد طلباً له، فمثله مثل الشخص المُبتلى بمرض العطش كلما شرب ماءً ازداد عطشاً، لا يُشبعه شيء، ولا يغنيه شيء، ولا يرضيه شيء، إنه كدودة القز تلف بدنها بما غلا ثمنه من الحرير ثم تموت في داخله دون أن تستفيد منه بل يستفيد منه سواها، يكبِّل نفسه بقيود حديدية فتمنعه أن ينفق على نفسه حتى في الضروريات وهو يزيد في إحكامها حول نفسه، يخيفه كل شيء، ويقلق من كل شيء، ولا يُطمئنه شيء، فيعيش كل حياته قلقا متوتراً معذباً، فإن لم يكن من أثر للحرص سوى هذا فيكفيه ذلك تعباً ومشقة وضنكا وعُسراً وسوء حال.

ولكن لا يقتصر الأمر إلى ما سبق من آثار شديدة الخطورة عليه، فإن الحِرص يُذهِب ماء وجهه، ويُسيء إلى كرامته، ويُسقط حرمته ومروءته، والحريص ينفر منه أهله والناس، ويعيش فيهم ذليلا مُهاناً، فيبعده الحرص عنهم، ويصنع حجابا بينه وبين الله، إذ يستبد به سوء الظن بالله، ويوقعه في براثن الكثير من الذنوب كالكذب، والخيانة، والظلم، والعدوان، وغصب حقوق الآخرين.   

وقد أمعنت النصوص الدينية الشريفة في ذكر الآثار الخطيرة للحرص فذكرت أنه عناء مؤبَّد، وأنه ذميم المُغَبَّة، وأحَرُّ من النار، ويُزري بالمروءة، ومَطِيَّة التَّعَب، ويُنقِصُ قَدْرَ الرجُل ولا يزيد في رِزقِهِ، ويوقع في كثير العُيوب، ويقتل راكبَه، وأن الحريص متعوبٌ فيما يَضُرُّه، وأنه لا حياء له، وذليل دائماً، وأسير مَهانة لا يُفَكُّ أسره، وأنه محروم، وهو مع حرمانه مذموم في أي شيء كان، وكيف لا يكون محروما وقد فر من وثاق الله تعالى؟!، وأنَّه فقير ولو ملك الدنيا بحذافيرها، وأنه حُرِمَ الحريص خصلتين ولزمته خصلتان: حُرِمَ القناعة فافتقد الراحة، وحُرِمَ الرضا فافتقد اليقين .

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

captcha