ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة...

الذكر حاجة للإنسان

13:24 - September 29, 2023
رمز الخبر: 3492860
بيروت ـ إکنا: الذكر حاجة للإنسان لا يمكنه أن يستقر في حياته من دونه لأنه يربطه بالحَيِّ الدائم، والغني الذي لا يفتقر، والرب الذي لا يترك عبده، والمطلق الذي له كل كمال، وبالذكر يرشح كمال الله وغناه على الإنسان فيمنحه الأمان النفسي والطمأنينة الحقيقية، والاستقرار الواقعي، وهذا غاية ما يسعى إليه مدى عمره.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "اشْحَنْ الخَلْوَةَ بِالْذِّكْرِ".

هل مَرَّ عليك قارئي الكريم يوم وقد فرغت بطارية هاتفك من الطاقة الكهربائية وأنت أحوج ما تكون إلى استعماله؟ لن يهنأ عيشك في ذلك اليوم حتى تشحن البطارية كي تتمكن من التواصل مع من تريد قاضياً حوائجك المختلفة ومطمئنا عمن تريد الاطمئنان عليه. 

وهكذا لو خرجتَ ذات صباح متوجها إلى عملك فوجدت بطارية السيارة فارغة فإنك ستعاجل إلى شحنها أو تبديلها وأنت تعيش التوتر والضيق لتأخرك عن المغادرة إلى حيث تريد.

كذلك الحال فينا نحن البشر لا يمكن أن نخلو من الطاقة التي بها نحيا وبها نستمر، وبها نبلغ غاية وجودنا، وبها نحقق أهدافنا، وبها ننجح ونفلح وننتصر، وبها نثبت أمام وبها نواجه أنواع البلاء، وبها نثبت في الأزمات، وبها نصبر على الضراء واللأواء، وبها نعبد ونتقرب، وبها نرتقي أرقى الدرجات، ونسمو إلى أعلى المقامات في كمالنا الوجودي. وهذه الطاقة التي نحتاجها موفورة لمن أراد، لا ينضب معينها، ولا ينتهي مددها.

إنها طاقة الذكر، ذكر الله تعالى، فهو لذة المحبين، وسرور الأتقياء، وراحة الموقنين، وخُلصان الأولياء، وغذاء الأرواح، ومفتاح الصلاح، وبالذكر يعمر القلب، وبه يعيش الإنسان أفضل الحياة، وبه يسلك أقوم سبل النجاة، وبه ينير عقله ويُصلحُ سريرته  ويُجلي صدره ويقوِّي بصيرته،  وبه يصير أخص العباد إلى الله تعالى وأكرم الخلق عليه، وبه يطيب ذكره عند الناس، وبه يعتصم الإنسان من الشيطان، وبه يقوى على الطاعة، ويصبر عن المعصية، وبه يستهين بالشدائد، وتنفرج عنه الكربات، ويواجه المكائد، ويفرُّ من المصائد، وبه تفتح أبواب الرزق، وبه يطمئن الإنسان في الحياة.


إن الذاكر جليس الله، والله مؤنسه في الوحشة، ووليه عند الوحدة، ومعينه في الشِّدَّة، وناصره في المحنة، ومن كان الله معه يَسَّرَ الله كل عَسير، وأذهب عنه كل خطير.

"اشْحَنْ الخَلْوَةَ بِالْذِّكْرِ" هذا ما يعلمنا إياه الإمام أمير المؤمنين (ع) أن نُجَدِّدَ طاقتنا الروحية باستمرار لأنها إن نضبت تغيرت حياتنا رأسا على عقب، وأن نحافظ على منسوب الطاقة مرتفعا في أعلى درجاته لأنه إن قل وتراجع فقد نفقدها بالمرة وقد لا نملك استرجاعها من جديد.

"اشْحَنْ الخَلْوَةَ بِالْذِّكْرِ" يعني أن تكون في خلوتك ذاكرا الله تعالى تجالسه وتحادثه وتأنس به، كي تجدد طاقتك لأنك بها تقوى، وبها تتقي، وبها تعمل، وبها تستمر، وبها تثبت، وبه تصبر، وبها تنتصر، فأنت عندما تخرج من خلوتك لتواجه الملأ وتتعامل مع الناس ستكون في غاية الحاجة إليها وهي مستمدة من ذكرك الله، لذلك أوصى الله رسوله الأكرم (ص) بالذكر لما يمثل من طاقة روحية هائلة يستطيع معها أن يقوم بواجبه في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى والتكذيب والسُّخرية والمكر من أعدائه فقال: "فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ﴿7﴾ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴿الإنشراح/ 8﴾.

وأمره أن يزيد من طاقته الروحية يوما بعد آخر، وهو الذي يحتاجها في مواجهته المكذبين والمعاندين والماكرين والمخادعين والمتربصين به فقال سبحانه: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿2﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿3﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿4﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿5﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿6﴾ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴿7﴾ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا ﴿المزمل/ ٨﴾.

الذكر حاجة للإنسان لا يمكنه أن يستقر في حياته من دونه لأنه يربطه بالحَيِّ الدائم، والغني الذي لا يفتقر، والرب الذي لا يترك عبده، والمطلق الذي له كل كمال، وبالذكر يرشح كمال الله وغناه على الإنسان فيمنحه الأمان النفسي والطمأنينة الحقيقية، والاستقرار الواقعي، وهذا غاية ما يسعى إليه مدى عمره.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha