ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ صَغيرٍ أَحْزَمَ مِنْ كَبيرٍ".
الحَزْمُ: شَدُّ الشيء، وجمعه. وجودة الرأي، والجِدُّ في الأمر والحذر من فواته والحرص على أدائه. والإتقان وضبط الأمر، والأخذ فيه بالثقة، وأصل الكلمة يدل على شد الشيء وجمعه، يقال: حزم الشيء: إذا شَدَّه بالحزام ليحكم ربطه.
والمعاني المتقدمة وإن كان يُنتَظَر من الكبير أن يكون متصفاً بها انطلاقاً من خبرته الطويلة وتجاربه المتمادية في معترك الحياة ولكنها ليست حِكراً عليه، فربَّ صغير أحزم من كبير، لأن الحزم يحتاج إلى التالي:
أولاً: العلم والمعرفة، إذ لا شك أن رأي العالم العارف أوثق من رأي الجاهل، وجِدُّه أكثر من جِدِّ الجاهل، وإتقانه أفضل من إتقانه، والعلم والمعرفة ليسا حكراً على الكبير، فرُبَّ كبير لا عِلم له، ورُبَّ صغير يختزن في نفسه علوماً كثيرةً.
ثانياً: الاستفادة من التجارب الشخصية فرُبَّ كبير شابَ على ما شبَّ عليه لم يستفد من التجارب الطويلة التي مرَّ بها، ولم يتعلم من الأزمات التي عبرها، ورُبَّ صغير تعلم من تجربة واحدة ولم يحتج إلى غيرها.
ثالثاً: الاستفادة من تجارب الآخرين، ففي تجاربهم الكثير من الدروس والعِبَر، فمن مستفيد منها ولو كان صغيراً، ومن غافل أو متغافل عنها ولو كان كبيراً، والسبب في ذلك أن الذي المتواضع الراغب في المعرفة والباحث عن الحكمة هو الذي يستفيد من تجارب الآخرين ويتعلم من نجاحهم وفشلهم، أما الذي يَعْتَدُّ بنفسه وعلمه أو يكون مُبتلىً بالغرور فلن يستفيد من شيء، وهنا لا فرق بين الكبير والصغير، يكمن الفرق في الذهنية أن تكون منفتحة على تجارب الآخرين أو منغلقة عنها، وفي تَوقِ المَرءِ وسَعيه للمزيد من العلم والمعرفة، ومزيد من الدِّقَّة فيما يختار ويُقَرِّر، ومزيد من النجاح في العمل.
رابعاً: الاتعاظ مِن أحداث الزمان وتصَرُّفه بأهله، ومواعظ الزمان كثيرة، وفي كل حدث من أحداثه عِبَرٌ ودروسٌ، وهي مدرسة لا تُغْلَقُ أبوابُها، والتَّعلم فيها لا يحتاج سوى إلى عقل واعٍ يُحَلِّل الأحداث، ويسبر خلفياتها وأسبابها، ويستنتج العِبَر منها، وعقل يُمَيِّز بين الصحيح والخطأ، وبين الحق والباطل، وبين الحَسَن والقَبيح، وضمير حَيٍّ تهُزَّه الأحداث والمواقف، وقلب صافٍ يتأثر بما يسمع ويرى ويستجيب للحق.
خامساً: تعويد النفس على اتخاذ القرار الملائم.
وهنا أيضاً يتقدم بعضٌ ويتأخر بعض آخر من الناس، والقرار بالنسبة إلى حياة الإنسان كالروح لبدنه، ففي كل حركة ولحظة يحتاج إلى قرار، ولا فرق بين كبير أو صغير، فرُبَّ كبير لم يعتد على اتخاذ قرار بل عاشَ كَلاً على سواه، ورُب صغير اعتاد منذ حداثة سِنِّه على مواجهة الأحداث واتخاذ القرارات الملائمة لها. فتراه حازماً حاسماً، ذا رأي جيِّد، واثقاً من اختياره، مُتقنا عمله.
بقلم الكاتب والباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي