ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "راكِبُ الْعُنْفِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مَطْلَبُهُ".
لو أردتَ قارئي الكريم أن تُثَبِّتَ مِسماراً في جدار إسمنتي فبدأت تضرب عليه بقوة وعنف فإنه سيلتوي، أو ينكسر، أو يفرَّ من يدك، أما لو ضربته برفق فإنه سيثبت ولو أخذ منك مزيداً من الوقت.
إن هذا الأمر يجري وفق قانون الفعل وردة الفعل، فإذا كان الفعل قوياً كانت ردة الفعل قوية، وإذا كان الفعل رفيقاً كانت ردة الفعل رفيقة، فالعُنف يوَلِّد العُنف، والرِّفق يُوَلِّد الرِّفق.
وهكذا الحال في مُختلف أمورك وشؤونك وعلاقاتك وتعاملاتك في الحياة، إذا أردت أن تحقِّق أهدافك، وتحصل على رغباتك، وتبلغ غاياتك، وتؤثِّر في محيطك، وتربّي النفوس الكريمة، وتغيِّر الطبائع القاسية، وتدخل إلى القلوب من أبوابها الواسعة فعليك أن تتجنَّب العُنف والقَسوة والفَظاظة والغِلظة.
لايمكنك أن تعلِّم الجاهل بالعُنف، ولا يمكنك أن تؤدِّب من تريد تأديبه بالعُنف، ولايمكنك أن تتعامل مع زوجك وأولادك والناس بالعُنف، ولا يمكنك حتى أن تروض الحيوان بالعُنف. العُنف يُنَفِّر الناس منك فينفضّون عنك، ويزرع في قلوبهم الحقد عليك، ويصُمُّ آذانهم عن سماع ما تقول.
والحقُّ أن العُنف وسيلة الضُّعفاء لا الأقوياء، ضعفاء الحُجَّة والدليل، وضعفاء النفس، ووسيلة الجَهلة الأغبياء، أما العاقل فلا تراه إلا رفيقاً، ليناً، رحيماً، عطوفاً، سهلاً، سَمحاً، يفيض قلبه بالود والمحبة، ورجاء الخير لمن يتعامل معه.
والمؤمن على وجه الخصوص لا يكون عنيفاً، ولا يتوسل العنف لتحقيق مآربه وبلوغ غاياته، إلا إذا استنفد كل الوسائل وكان الذي يتعامل معه عدواً لدوداً لا يرعوي عن عدوانه وظلمه وجوره إلا بالعنف، فيكون هو الخيار الأنجح بل الخيار الضروري الذي يجب أن يعتمده، أما سوى ذلك فاللِّين والِّرفق هما الخيار الدائم الذي يجب أن يعتمده مع الناس.
إن من صفات الله تعالى اللُّطف والرَّحمة والرِّفق، والمؤمن يتخلق بصفات الله، ولله المَثَل الأعلى، والله يحِبّ الرِّفق والرَّفيق، ويبغض العُنف والشخص العَنيف، فقد جاء في الحديث عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: "ما مِنْ عَمَلٍ أَحَبُّ إِلى اللهِ تَعالى وإِلى رَسُولِهِ مِنَ الإِيْمانِ بِاللهِ والرِّفْقِ بِعِبَادِه، وَمَا مِنْ عَمَلٍ أَبْغَضُ إِلى اللهِ تَعالى مِنَ الإِشْراكِ بِالله تَعَالى وَالعُنْفِ عَلَى عِبَادِهِ".
وتحدَّث الإمام أميرُ المؤمنين (ع) عن الآثار الإيجابية للرِّفق والآثار السلبية للعُنْف فقال: "مَنْ رَفِقَ بِصَاحِبِهِ وَافَقَهُ، وَمَنْ أَعْنَفَ بِهِ أَخْرَجَهُ وَفَارَقَهُ".
ونَبَّه (عليه السلام) المُعَلِّمين والمُرَبِّين إلى ضرورة اعتماد الرفق أسلوباً دائماً في تعليمهم وتربيتهم، لأنه الأنفع والأجدى والأكثر تأثيراً في النفوس واستمالة للقلوب، فقد رُوِيَ عنه أنه قال: "عَلِّموا وَلا تُعَنِّفوا، فَإِنَّ المُعَلِّمَ العَالِمَ خَيْرٌ مِنَ المُعَنِّف".
ونَبَّه (عليه السلام) إلى مُعادلة مُهِمَّة في هذا الشأن وهي أن كل عنفٍ يعقبه الندم، فقال: "مَنْ رَكِبَ العُنْفَ نَدِمَ" أي من اتخذ العُنف وسيلة دائمة لتحقيق أهدافه سيندم لا محالة، ومن أهم مصاديق هذه المعادلة عُنف الظالمين والطغاة والمحتلين الذي يتوسلون العنف لتأكيد سيطرتهم وسلطانهم، فإن الندم ينتظرهم نهاية الجولة إن شاء الله تعالى.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي