
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رَغْبَتُكَ فِي الْمُسْتَحيلِ جَهْلٌ".
كما أن الإنسان كتلة من المشاعر والعواطف والأحاسيس، فهو كتلة عظيمة من الرغبات التي لا حصر ولا حدَّ لها، والحق أنه يعيش برغباته ويقضي كل حياته عاملاً لها، وكادحاً من أجل تحقيقها.
وتتنوَّع تلك الرغبات بين رغبات معنوية وأخرى مادية، كما أنها تتفاوت بين رغبات مهمة، وأخرى أهم، وبين رغبات يسهل تحققها كالرغبة في العلم، والرغبة في المال، والرغبة في الإنجاب، وسائر الرغبات الطبيعية، ورغبات يصعب تحققها، كالرغبة في العافية والسلامة الدائمتين، والرغبة في الراحة المستدامة، والرغبة في اجتناب الشرور والخسران، والرغبة في دوام استقرار العيش وسعة الرزق ورغَدِه، ورغبات مستحيلة التحقَّق كرغبة الإنسان بالخلود في الدنيا، ورغبته في تحقق جميع ما يرغب به معنويا ومادياً، فالخلود مستحيل لأن الإنسان لم يخلق للدنيا بل خُلق للآخرة، وخُلِق للموت لا للحياة، وما الدنيا إلا مرحلة على طريق الآخرة، و تحَقُّق جميع ما يرغب به في الدنيا مستحيل لأن الدنيا لا تأتي فيها نِعمة إلا بفراق أخرى كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع).
لا شكَّ في أن الرغبات ضرورية للإنسان فمن دونها لا يندفع إلى الأمام، ولا يتقدم خطوة على طريق تكامله المادي والمعنوي، ولا يتطور أبداً، وما لا يتطور فهو محكوم بالاضمحلال والموت. فالرغبات دوافع ومحركات والإنسان يحتاج إليها ليتحرك ويتقدم وينمو وهذا أمر لا يُنكَر.
والدين الذي لا يتناقض مع فطرة الإنسان لا يلغي رغباته، ولا يأخذ منها موقفاً سلبياً، وكيف يأخذ منها موقفاً سلبياً والله هو الذي أوجدها في الإنسان، ودعاه إلى الكدِّ في تلبيتها، بل إن الدين كل الدين جاء ليلبي تلك الرغبات وليحققها للإنسان، إن قيمة الدين تكمن في أنه خادم للإنسان، فعقيدته تحقق للإنسان رغباته المعنوية، وشريعته تحقق له رغباته المادية، وترشده إلى الطريق الأسلم لتحقيقها والاستفادة منها.
إذا كان الإنسان يرغب في المال فلا يمنعه الدين من ذلك، بل يدعوه إلى العمل والسعي لأجل الحصول عليه، ولكن من طريق الحلال ليكون المال حلالاً، ويمنعه من الحصول عليه من طريق حرام كالسرقة والغصب والظلم. وإذا كان الإنسان يرغب بالسلطة والجاه فلا يمنعه الدين من ذلك ولكنه يوجهه إلى الطريق الأسلم لتحقيق تلك الرغبة.
كما أن الدين والعقل يدعوان الإنسان إلى تصنيف رغباته، فما يكون ممكنا تحققه منها فلا مشكلة في ذلك، بل ينبغي أن يسعى إليها، وما يكون صالحا نافعاً له فعليه أن يسعى إليه، لكنهما ينهيان الإنسان عن الرغبات التي يستحيل تحققها، ويعتبران ذلك من أعظم صور الجهل، فالجاهل هو الذي يرغب بالمستحيل، وما أسوأ حال من يرغب بالمستحيل، يقضي حياته لاهِثاً وراء سراب، ويرتد عليه يأساً وقنوطاً وحُنقاً وغضباً، أما العاقل فهو الذي يرغب بما يمكن تحققه، فيعمل لذلك ويناله ولو بعد حين.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: