ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

أَعْظَمُ الجَهْلِ جَهْلُ الإِنْسانِ أَمْرَ نَفْسِهِ

22:53 - November 06, 2023
رمز الخبر: 3493345
بيروت ـ إکنا: المعرفة لا حَدَّ لها، ولا يمكن للإنسان أن يبلغ منتهاها، فكلما عرف شيئاً اكتشف أنه الذي يجهله أكثر مما عرَفه، وكلما انفتح له باب من العلم وجد أبواباً تدعوه لأن يلج منها إلى عوالم تختزن كنوزاً من العلم والمعرفة لم يزل جاهلاً بها، فيدفعه ذلك إلى البحث المستمر في طلب المعرفة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "أَعْظَمُ الجَهْلِ جَهْلُ الإِنْسانِ أَمْرَ نَفْسِهِ".
 
يولد الإنسان خالياً من أي معلومة سوى الاستعداد للتعرف على المجهولات، ولذا تراه يدرج في الحياة وتدرج معه الأسئلة، يريد أن يتعرَّف إلى الأشياء، ويتعلم كل يوم جديداً، وكلما تقدم في العمر ينمو عقله ويزداد علمه وتكبر معارفه، معتمداً على الوسائل التي زَوَّدَهُ الله بها من حواسّ وعقل قال تعالى: "وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" ﴿النحل/78﴾.
والمعرفة لا حَدَّ لها، ولا يمكن للإنسان أن يبلغ منتهاها، فكلما عرف شيئاً اكتشف أنه الذي يجهله أكثر مما عرَفه، وكلما انفتح له باب من العلم وجد أبواباً تدعوه لأن يلج منها إلى عوالم تختزن كنوزاً من العلم والمعرفة لم يزل جاهلاً بها، فيدفعه ذلك إلى البحث المستمر في طلب المعرفة لعلَّه يحظى بالمفتاح الذي يفتح عليه أبوابا جديدة من المعارف، وهكذا تستمر المجهولات في ندائها له، تناديه ليتعرف إلى المزيد منها فتكون هدفا له ودافعاَ ليتعرَّف على المزيد. 
 
والحقُّ إن الإنسان لا يسعى إلى المعرفة لكونه مفطوراً على طلبها وحسب، بل لوجود هدف آخر لا يتحقق إلا بها وهو السعادة تمثل أهم رغباته في الدنيا والآخرة، إدراكاً منه أن المعرفة والعلم يوفران له الوسائل المادية والمعنوية التي ينال بها سعادته، كما يكشفان له المخاطر الكامنة في كثير من الأشياء التي تحول بينه وبينها، فالنفس وراحتها وسعادتها هي محور حياة الإنسان كلها، وهو يتعرف على المجهولات أياً يكن نوعها بهدف السلامة لنفسه وإسعادها وتجنيبها الضرَّ والأذى والشقاء.

وعليه فإنَّ أعظم مجهول ينبغي أن نتعرف عليه ونكتشف حقيقة وقواه ودوافعه وأمانيه وأهدافه وأمراضه هو نفوسنا، فالنفس التي إن صلحت صلحت حياة الإنسان، وإن فسدت فسدت حياته، ولما كان المجتمع البشري يتكون من مجموعة أفراد قلوا أو كثروا كان صلاح المجتمع الإنساني في صلاح نفوسهم وفساده في فسادها، وإلى هذا يشير قوله تعالى : "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"﴿الرعد/11﴾ .

إن تغيير واقع الإنسان من حال إلى حال، من الأسوأ إلى الأحسن، أو من الأحسن إلى الأسوأ يكمن في التغيير الداخلي التغيير في نفس الإنسان وطباعها والتحكم في شهواتها وأهوائها، أو التغافل عنها، ومعلوم أن التغيير في النفس الإنسانية يتوقف على معرفتها معرفة تامة، معرفة القوى التي رُكِّبت فيها، ومعرفة دوافعها وميولها، وما تُحِبُّ وما تَكره، وما تقدر عليه وما تعجز عنه، ونقاط ضَعفها ونقاط قوتها، وأمراضها وأعراضها وعِلَلها، وبمعرفة الإنسان لنفسه وتنمية فضائلها وتهذيبها من رذائلها، يتمكن من بناء شخصية إيجابية مستقيمة، فاعلة، عاملة، تبني الحياة المُثلى التي يرغب فيها. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "كُلَّما ازْدادَ عِلْمُ الرَّجُلِ زادَتْ عِنايَتُهُ بِنَفْسِهِ، وَبَذَلَ في رِياضَتِها وَصَلاحِها جُهْدَهُ".
 
وإذا كان يبحث عن المعرفة باعتبارها تلبي حاجاته المادية والمعنوية، وكلتاهما حاجة للنفس، ومردودهما يرجع إلى النفس فلا قيمة لكل معارفه إذا بقي جاهلاً بنفسه، وهذا هو الحق، فلقد شهدنا تطوراً علمياً هائلاً، والمعرفة البشرية اليوم لا تقاس بمعرفة البشرية في الماضي، لكنها لم تستطع أن ترتقي بإنسانية الإنسان، ولم تستطع أن تجلب له السعادة والأمن والطمأنينة، لأنه لم يزل جاهلاً بنفسه وهذا ما قاله الإمام (ع): "أَعْظَمُ الجَهْلِ جَهْلُ الإِنْسانِ أَمْرَ نَفْسِهِ".
 
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha