ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّ عالِمٍ قَتَلَهُ عِلْمُهُ، ورُبَّ جاهِلٍ نَجّاه جَهْلُهُ".
لا يستوي العِلم والجَهل، فالعلم نور والجهل ظلمه، والعلم مرغوب به والجهل مذموم، وبالعلم يعرف الإنسان ربه، وبالجهل يُنكِره ويجحده، وبالعلم يعرف الإنسان معنى وغاية وجوده وبه يحدِّد دوره في الحياة، وبالجهل يضيع ويضِلُّ، وبالعلم تُبنى الحياة وبالجهل تُهدَم، وبالعلم يتطور الإنسان ويتقدم وبالجهل يتراجع ويتقهقر، وبالعلم يكتشف الإنسان قوانين الكون والأرض التي يعيش عليها، ويتواءم معها، ويستفيد منها لحياته، وبالجهل يكون العمى عن كل شيء والجهل بكل شيء.
والعلم رأس الخير كله، والجهل رأس الشر كله، ومنه يُعلَم لماذا لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون كما نصَّ الله على ذلك في كتابه الكريم.
ولا يشك أحد في الموقع السامي الذي يحتله العلماء (في أي مجال من العلم) في الحياة الإنسانية، والتأثير القوي الذي يملكونه، فهم الفئة التي تقود المجتمع وتحركه وتدفعه إلى الأمام وتراقب أداءه، وإليهم يرجع الناس في تحديد الموقف الملائم من القضايا المطروحة فهم المرجعية العلمية التي تميز بين الصحيح والخطأ، وتَفْرُق بين الحق والباطل، وتحدد التكليف في مواجهة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولذلك يخشاهم الحكام.
فمن الحُكَّام من يحرص على رضا العلماء والتوَدُّد إليهم، ومنهم من يعمل على استمالتهم وجعلهم بطانة له ليعطوه المشروعية التي يحتاج إليها، ومن الحكام من يتجرّأ على قتل كل عالم يخالفه في الرأي، ولا ينضوي في حاشيته، ولا يسَوِّق له، وقد قُتِل آلاف العلماء في التاريخ الإنساني، وما زالوا يتعرَّضون للقتل حتى يومنا هذا، سواء كانوا علماء دين أم علماء في مجالات واختصاصات علمية أخرى.
وفي عصرنا الحالي قُتِل الكثير من العلماء المبدعين والمخترعين، وبالأمس القريب قُتِل الكثير من علماء الذرة في العراق وفي إيران وفي بلداننا العربية. وبهذا يتضح معنى قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "رُبَّ عالِمٍ قَتَلَهُ عِلْمُهُ".
لكن السؤال المُلِحّ هو: كيف نفهم قوله (ع): "رُبَّ جاهِلٍ نَجّاه جَهْلُهُ" فقد تقدم أن الجهل رأس كل شر، فكيف يكون سبباً للنجاة؟
لا شك أن الجهل سبب للشر والتردِّي والسقوط لكنه في بعض الأحوال يكون أفضل من العلم، كالجهل بالأسرار، فإن معرفتك بها قد تدفعك إلى إفشائها عن قصد أو عن غير قصد، وقد تفشيها تحت ضغط الخوف فتجلب الضَّرَر لنفسك ولغيرك، خصوصاً إذا كانت أسراراً ذات قيمة عند العدو كالأسرار العسكرية والأمنية فالجهل بها أفضل بكثير من العلم بها، بل هو الأولى والأوجب ما دامت لا تدخل ضمن عملك ولا تحتاج إلى معرفتها فالأولى لك أن تتجنَب العلم بها، كي تنجو وينجو غيرك.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: