
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "ثَمَرَةُ الْخَوْفِ الْأَمْـنُ".
ويَحُثُّ الله عَزَّ وجَلَّ في كتابه الكريم على الخوف منه، والخوف واحد من الفضائل العالية، والأسباب القوية التي تدفع بالإنسان إلى سلوك الطريق القويم وتجنِّبه المعاصي والذنوب وتصنع منه إنسانا صالحاً، والسبب في ذلك: أن الإنسان يعيش حياته بين أمرين لا ثالث لهما: نفعٌ يطلبه، وضَرَرٌ يفرُّ منه، مادِّيَين كانا أم مَعنويين، هنا يأتي الخوف كغريزة مِثالية تُجنِّبه الوقوع في المخاطر والمضارّ، وهذا ما يستفيد منه التربويون في تربيتهم الإنسان، فإنهم يعتمدون مبدأ الترغيب والترهيب، وهو مبدأ تربوي عظيم يمكنه أن يحقق نتائج تربوية مبهرة، وقد اعتمده الأنبياء والمرسلون في دعوتهم إلى الله والخير والصلاح والاستقامة، وفي تربيتهم الأمم الصالحة، لقد كانوا جميعاً مبشرين ومنذرين، ولم يزل هذا الأسلوب معتَمداً جميع القوانين البشرية.
وقد أكَّد الله تعالى في كتابه الكريم أهمية الخوف من الله كدافع يدفع الإنسان إلى الصلاح والخير والإحسان، وكمانع من موانع سقوطه في براثن الشيطان والرذيلة والفاحشة، والظلم والعُدوان، فقد قَصَّ علينا قصة ابني آدم، أحدهما حسود لا يخاف الله تجرّأَ على قتل أخيه، والثاني يخاف الله فمنعه خوفه عن الحسد والمقابلة بالمثل.
وقال تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴿27﴾ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ﴿28﴾ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ" ﴿29/ المائدة﴾.
وقصَّ علينا كيف يكون الخوف منه الله دافعاً لفعل الخيرات، والتقرب إليه بالصالحات، فحدثنا عن أهل البيت الأطهار عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) كيف آثروا على أنفسهم المسكين واليتيم والأسير فأطعموهم طعامهم وبقوا صائمين ثلاثة أيام فقال: "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ﴿7﴾ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿8﴾ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴿9﴾ إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا" ﴿10/ الإنسان﴾.
ويكشف لنا في كتابه عن واحد من أهم الدوافع التي تدفع المؤمنين وعباد الله الصالحين إلى الطاعة لله والتقرُّب إليه بألوان العبادة والدعاء فيصف حالهم قائلا: "تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"﴿16/ السجدة﴾، وحدَّثنا عن الأنبياء الكرام (ع) فقال: "...إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"﴿90/ الأنبياء﴾.
يبقى سؤال مهم يحضر بقوة في الذهن وهو: هل الله سبحانه موجود مُخيف؟
الجواب: الله عَزَّ وَجَلَّ ليس موجوداً مخيفاً، تعالى عن ذلك عُلُواً كبيراً، لأنه ليس كمثله شيء من الموجودات التي يُخاف من صدور الشر والضرر والتعدي والظلم والجور منها، أما الله فإنه الخير المحض، والنور المحض، والرحمة المحضة.
لكنه سبحانه له العظمة والجمال والجلال والكبرياء والقاهرية والجبروت والعلم والإحاطة بالخلق، وعلى هذا يكون الخوف منه خوف تعظيم وإجلال وإكرام، وخوف رهبة وخشية، وخوف خشوع وخضوع، وخوفاً من مهابته وعِزَّته وقاهريته، وخوفاً، فهذا النحو من الخوف يختلف عن الخوف من المخلوقين من حيث السبب، كما يختلف من حيث الأثر، أما من حيث السبب فقد اتضح مما سبق، وأما من حيث الأثر فإن خوف الله يصنع إنساناً صالحاً مستقيماً، وحراً كريماً، وآمِناً مُطمَئِناً، ويرفع مقامه بين يدي الله، ويجعله عزيزاً في الناس لأن من يخافُ اللهَ لا يخاف سواه، ولا يَذِل لغيره، وهذا أمر في منتهى الإيجابية، أما الخوف من المخلوقين فعكسه تماماً لأنه يصنع إنساناً ذليلاً دائم القلق والتوَجُّس والتوتر.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنیة السيد بلال وهبي