ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "حُسْنُ الْبِشْرِ أحَدُ البِشارَتَينِ".
وأجمل ما يُحِبُ الشخص أن يسمعه بشارة بأمرٍ ينتظر تحققه، أو شخص ينتظر قدومه، البِشارة تُحيي النفس المُتعبَة، توجد فيها حيوية ونشاطاً واندفاعاً بعد يأسٍ وقنوط، وقد يكون وهن وضعفاً، وتوقِد فيها جذوة الفرح والسرور.
وما سُمِّيَت البِشارة بِشارة إلا لأنها تبسط بَشَرَة الوَجه، وذلك أن النفس إذا سُرَّت انتشر الدّم فيها انتشار الماء في الشجر، فينبسط الوجه ويبدو حُسْنُه.
ولهذا قيل: البِشارة جمال. والبشير: الحسَنُ الوَجه. وتباشير الوَجه وبِشرُه: ما يبدو من سروره. وتباشير الصباح: ما يبدو من أوائله. فجميع ما سبق من معانٍ لغوية للبُشرى يدور حول الخبر السَّارِّ والمُفرِحِ، والحُسْنُ والجَمالُ الذي يظهر على الوجه.
وما من إنسان إلا وهو يُحِبُّ البُشرى، ويأنس بها، وينبسط وجهه لها، لما لها من آثار عظيمة في نفسه، ومن تلك الآثار: حُبُّ المُبَشِّر لمن يُبَشِّره واستئناسه به. ومنها انفراج أساريره بعد ضيقها، وانشراح صدره، وسعادة قلبه، واستقرار نفسه وطُمأنينتها وسكونها، وراحة باله، وارتفاع معنوياته، وثبات قدمه، ويقين قلبه.
ولا تقتصر البشارة على الخبر السَّارِّ الذي يتلقاه المُبَشَّرُ من المُبَشِّر، بل تتسع لتشمل الشكل الذي يكون عليه المُبَشِّر، وهذا ما يدل عليه قول الإمام أمير المؤمنين (ع): "حُسْنُ الْبِشْرِ أحَدُ البِشارَتَينِ" وهذا من أبيات التواصل بين الناس، فالناس يقرأون وجوه بعضهم، ويتواصلون فيما بينهم على أساس ذلك، فمن يُقبِل عليهم باسِماً قد علا البِشْرُ وَجهَه يريحهم، ويوصل إليهم رسالة إيجابية تُسَرِّي عنهم همومهم إن كانوا مهمومين، وتخفِّف من أحزانهم إن كانوا محزونين، وتزرع في نفوسهم الأمل والرَّجاء إن كانوا يائسين قانطين، أما ذلك الذي يُقبل عليهم بوجه عبوس وبحاجبين مشدودَين، وبعينين محدَّقَتين فإنه يرسل إليه برسالة سلبية تخفق لها قلوبهم، وتضيق صدورهم، وترتعش منها أبدانهم، وتزرع اليأسَ في نفوسهم، فتزدحم عليهم الهُمومُ والغُموم، وقد يؤدي ذلك ببعضهم إلى سرعة في خفقان القلب، وضيق في التنفس، وعجز عن الكلام، وقد يقع بعضهم أرضاً مغشِيّاً عَليه. رغم أن القادم قد يكون جائياً إليهم بخبر سارٍّ ينتظرونه منذ أمَدٍ بعيد.
لذلك من الواجب على واحدنا أن يلقى الناس بوجه حَسَنٍ حتى ولو كان حاملاً معه أخباراً غير سارَّة، فإن ذلك يُخَفِّف من وقعها في نفوسهم، ويُساعِدُ على تَقَبُّلهم الواقع، ورضاهم بقَدَر الله وقضائه، إن جاءهم يحمل إليهم خبراً سارّاً فيكون وجهه الباسِم احدى البشارتين.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي