
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "عِنْدَ الشَّدَائِدِ تَذْهَبُ الأَحْقادُ".
وجهان اثنان لليوم: نهار مبصر ينتشر فيه الخلق يطلبون أرزاقهم ويقضون حوائجهم، وليل مُظلم يسكنون فيه وينامون ويرتاحون ويجددون فيه طاقاتهم ليستقبلوا نهاراً آخر ينتشرون فيه، كلا الوجهين مُهِمّين للخلق لا تستقيم الحياة من دون تواردهما وتداولهما.
كذلك ما يواجه الإنسان من أحداث وأزمات ومُلمات، وما يعيشه من أفراح ومسرات وأحزان وأتراح، كلٌّ له ظاهرٌ وباطِن، وجهة خير وجهة شر، فقد يكون في الخير شيء من الشر، وقد يكون في الشر خير.
والخير والشر فيهما يعرفان بالنتائج التي تفضي إليها تلك الأزمات والملمّات والأفراح والمسرّات، فرُبَّ أمرٍ تكون بدايته صعبة ومكلفة ولكنه يؤدي إلى خير كثير، وأمرٍ تكون بدايته مريحة ومفرحة لكنه يؤدي إلى تعب وشقاء وحزن دائم، فعلى المَرء ألّا يُسارع إلى الحكم على ما يحدث قبل أن تتضح له النتائج، وأن يُنَقِّب عن الخير فيما يراه شراً.
للأزمات والمِحَنِ وجهان: وجه سلبي بلا شك، وهو كونها أزمة، والأزمة ضيق وضَنَك وفيها تعب ومشقة، وهذا وجه مظلم بلا شك، ولكن وجهها الآخر مُشرق وَضِيءُ، وعلى المَرءِ ألّا يكتفي بالنظر إلى جهة واحدة منها، فإنه لن يرى في هذه الحال إلا وجهها المظلم، بل عليه أن ينظر إلى الجهة الأخرى، ليرى يُسراً في باطن العُسر، وفرجاً في أحشاء الضيق.
وإذا كان للأزمات والمِحَن أثمان وشرور فإنّها تؤسِّسُ لبركات وخيرات، إن المخاض أزمة وفيها آلام لكنه مقدمة ضرورية لولادة تسعد الأُمَّ وتنسيها كل الآلام.
والعملية الجراحية أزمة وفيها آلام ولكنها ضرورية للشفاء والتعافي، والحرب أزمة وفيها آلام وخسائر في الأرواح والممتلكات، ولكنها ضرورية لِرَدِّ العدوان وقطع يد المعتدي.
وإن من بركات الأزمات والاختبارات أنها تغربل الناس، فبها يمتاز المُحِبُّ من المبغض، والأناني من الإنساني، والصادق من الكاذب، والشجاع من الجبان، والكريم من البخيل، والوطني من العَميل.
والأزمات تفَجِّر الطاقات الكامنة في الفرد وفي المجتمع، وتَحْمِلُ الإنسان على الإبداع واجتراح الحلول المناسبة التي لم تكن لتخطر على بال المَرْءِ وهو في رخاء وأمان.
والأزمات توقِظ الإنسان وتكشف له عن مكنونه الذي كان غافلاً عنه، وتذَكِّره بالنِّعم الجليلة التي كان قد نسيها، وتنَبِّهه من غفلته، وتعيده إلى جادة الصواب، وتحطِّم الحُجُبَ بينه وبين الله، وتُعَمِّق صلته به، وتقوّي إيمانه، وتدعوه إلى إصلاح ما كان أفسده، وتحفِّزه على أداء كل حقٍ ضيَّعه.
وفي الأزمات يلين القلب، وترهُف المشاعر، وتظهر العواطف الإنسانية النبيلة، فيعيد الإنسان وصل ما انقطع، ويمدّ جسور العلاقة مع من كان على خِصام معهم، وكم من مصيبة قربت المتباعدين، ووحَّدت الصفوف، وأماتت الأضغان، وذهبت بالأحقاد، واستبدلت الاختلاف بالاتفاق، وحطَّمت السدود بين الناس، وعرَّفت بعضهم إلى بعض.
بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: