رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّما سَأَلْتَ الشَّيْءَ فَلَمْ تُعْطَهُ وَأُعْطيتَ خَيراً مِنْهُ".
ما بالنا نسأل الله فلايعطينا ما نسأله؟ والبعض لايقتصر أمره على السؤال، بل قد يدفعه ذلك إلى القنوط من رحمة الله تعالى وعطاء الله وكرمه وجوده. وبعض آخر قد يدفعه ذلك إلى الإعراض عن الله.
وبهذه الجوهرة الكريمة يجيب الإمام أمير المؤمنين (ع) على السؤال المتقدم بالتقريب التالي: "يجب ألّايفوتنا أن ما من شيء يُعجِزُ الله تعالى فهو القادر على كل شيء، وما من شيء يُنقِص من مُلكه فهو الغنيُّ المطلق، وأنه تعالى ليس هو الكريم وحسب، بل هو الجواد الذي يرزق خلقه من غير أن يسألوه، فوجودهم جود منه، وحُسنُ خَلقِهم جود منه، وكل ما رُكِّب في أبدانهم من أعضاء جود منه، وما رُكِّبَ في نفوسهم من قابليات وقدرات جود منه، وكل ما أوجده لهم مما يحتاجون إليه من غذاء وماء ودواء وثروات جود منه، فالجود صفة ذاتية فعلية من صفاته تعالى، وصفاته تعالى لا تتبدل ولا تتغيَّر. فإذا كان يجود عليهم دون أن يسألوه فكيف إذا سألوه؟!.
يمكننا أن نسأل الله أيَّ شيء، ونطلب منه أيَّ شيء، وأصغر شيء وأعظم شيء فالصغير والكبير عند الله سواء، وكلاهما لا يكونان إلا بمشيئته سبحانه، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: "سَلُوا اللَّهَ عزّ وَجَلَّ مَا بَدَا لَكُمْ مِنْ حَوائِجِكُمْ حَتّى شِسْعَ النَّعْلِ، فَإِنّهُ إنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَم يَتَيسَّرْ".
وجاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "عَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّكُم لا تَقَرَّبونَ إلَى اللَّهِ بمِثلِهِ، ولا تَترُكوا صَغيرةً لِصِغَرِها أنْ تَدْعُوا بِهِ، إنَّ صاحِبَ الصِّغارِ هو صاحِبُ الكِبارِ".
لكنَّ أمراً في غاية الأهمية يجب ألا نغفل عنه وهو: إن الله سبحانه أعلم بمصلحة العبد من نفسه، لأن علمه تعالى مطلق وعلم العبد محدود، والله يعلم غيب السماوات والأرض، والعبد يعلم القليل عن عالم الشهادة، والله يعلم ما يكون والعبد يعلم جزءاً مما هو كائن، والله يعلم ظاهر الأمور وباطنها والعبد يعلم ظاهرها أو جزء من ظاهرها، والله يعلم المصلحة الحقيقية للعبد والعبد كثيراً ما يخطئ في تحديد مصلحته، فرُبَّ أمر فيه الخير الكثير له يحسبه شراً، ورُبَّ أمر يحسبه خيراً فيه الشر الكثير.
أضف إلى ما سبق أن الله تعالى لايريد لخلقه إلا الخير، ولا يكون منه إلا الخير، والخير المحض، لأنه تعالى هو الخير، وأصل كل خير، فهو يعلم الخير الواقعي ويريده ولا يريد سواه لعبده.
وعليه فإننا قد نسأل الله شيئاً نحسب أن الخير فيه، وأن مصلحتنا تكمن في الحصول عليه، أو نسأل الله أن يدفع عنا أمراً نحسب أنه شر لنا، وتكون المصلحة الواقعية غير ما نحسب، والتجربة الشخصية لكل واحد منا تؤكد ذلك، فكم من أمر رجوناه ثم بعد حينٍ حمدنا الله أنه لم يتحقق، وكم من أمر خِفنا من حدوثه ثم بعد حين شكرنا الله على حدوثه، إن هذا لدليل على أن ما يُقَدِّرُه الله لنا هو الخير الواقعي والحقيقي حتى ولو كان ظاهره شراً.
إن هذا يدعونا إلى تفويض أمورنا إلى الله سبحانه، أي أن نترك له تعالى أن يختار لنا ولا نختار نحن لأنفسنا، يقيناً مِنَّا أنه سبحانه لا يختار لنا إلا الأصلح، في الوقت الأصلح، وعلى الشكل الأصلح.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي