
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رُبَّما أُتيتَ مِنْ مَأْمَنِكَ".
كما تبحث عن ثغرة تنفذ بها للَّنَيل من عدوك والانتصار عليه، كذلك عدوك يبحث عن ثغراتك لينقض عليك منها، والثغرات كثيرة وقد تكون غافلاً عنها، فأنت إنسان والإنسان معرَّض للخطأ ومعرَّض للقصور في الإحاطة بالأمور ينصرف اهتمامه إلى جانب فتغيب عنه جوانب أخرى، وقد يحدث ألا تحسبها ذات أهمية فتتجاهل أمرها، وتتعامل معها بخفة، وقد تأمن جانبها تعتبرها آمنة، لكنها ليس كذلك لعدوك الذي يتابعك في كل شيء يتجسس عليك بجواسيس وعسس يستخدمهم لقاء حفنة من المال وقلة شرف، ويتجسس عليك بتقنيات حديثة تعرف بعضها ولا تعرف بعضها الآخر، تهدف إلى أن تحصي عليك أنفاسك.
وفي الآونة الأخيرة صار يعرف عنك كل شيء تقريباً بل صرت أنت مخبراً له دون أن تدري بواسطة ما تنشره في هاتفك عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، من محادثات مكتوبة، ورسائل صوتية، وصور، وفيديوهات، ولا يكتفي بذلك بل يمكنه أن يُشَغِّل مايكروفون هاتفك الخاص يستمع إلى الشاردة والواردة منك، كما يمكنه أن يُشَغِّل كاميرا هاتفك أيضا فيصورك في جميع أحوالك.
ولا يكتفي بذلك إذ تراه بواسطة برنامج (google) يتتبع مساراتك كلها، يعرف الأماكن التي زرتها، والأماكن التي أقمت فيها، أو اشتريت منها، والمكان الذي تقيم فيه الآن، ويكفي أن تقوم قارئي الكريم بالدخول إلى بريدك الإليكتروني(e mail) الخاصِّ بهاتفك فستجد تقريراً كاملا عن نشاطاتك كل شهر.
واعلم قارئي الكريم فرداً كنت أم جماعة أم شعباً أن عدُوَّك لا ينام عنك، فاحذر أن تنام، وقد قال الإمام أمير المؤمنين (ع): "وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ، وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عنْهُ مَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْهُ" إن اللائق بالحرب والقتال هو الذي لا ينام عن عدوه، يسهر له، ويتربص به، لأن العدو لا ينام عنه، وذا يعني أن تبقى يقِظاً حَذِراً تبحث بنفسك الثغرات وتعمل على سدها ومعالجة النقص الحاصل فيها، وهذا من أوجب الواجبات، والتفريط في ذلك أو التسويف والإهمال تأتي نتائجه قاتلة، وقد تمنح عدوك الفرصة التي انتظرها طويلا.
وحذارِ أن تطمئن كل الطمأنينة وأن تعطي لنفسك الأمان المطلق، فربما أتاك العدو من مأمنك، فكن دائم الحذر، ودائم اليقظة، واحرس مأمنك كما تحرس الثغرة التي تخاف أن تُؤتى منها، ولا تطمئن لكل أحد تبوح له بأسرارك، حتى تلك التي تعتقد أنها لا قيمة لها، فقد تكون مفتاحاً بيد عدوك تفتح له أبواب خزائن الأسرار.
فصن لسانك واحفظه عن الثرثرة، ولا تتبجَّح بالتحدث بما لديك فإنك لا تدري فقد يكون الذي تقوله قاتلاً لك ولغيرك، وسبباً لهزيمتك وهزيمة أمتك.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: