ويقول فراعنة أمريكا إن عصر السلام قد عاد من خلال القوة! وتأسيسًا على هذه المقولة الشيطانية، بدأت الحرب على اليمن، وعادت حرب الإبادة في غزة فلسطين،ولا زلنا نسمع عن الحرب المميتة ضد كل من يهدّد مصالح أمريكا والكيان الصهيوني، إلى غير ذلك مما عنون به الرئيس الأمريكي فترة حكمه،سواء كان ذلك متعلقًا بالحروب التجارية ضد حلفائه،أو ضد قوى المقاومة في العالم!
فالخطاب الأمريكي خرج عن دبلوماسية التكاذب، وديموقراطية الحوار الزائف، ليكون خطابًا متفلتًا من كل عقال ومتجردًا من كل قيمة ومعنى، وذلك لما تظهّر به هذا الخطاب من صلف وكبرياء! ولا شك في أن هذا التحول في الخطاب الأمريكي، وإن كنا قد عهدناه يفخر بسلام الأقوياء إلا أنه لم تكن له قسوة التنمّر في إدارة الأزمات أو التباهي بأمجاد الظلمات!
فهو خطاب مشوبٌ بكل هدف مشبوه، لجهة ما ينطوي عليه من مضمون استعماري في كل ما ينطق به هذا الخطاب ويعبر عنه، وخصوصًا في ما تبدى منه اتجاه العرب والمسلمين وقضاياهم المشروعة.
لقد أعلن الرئيس الأمريكي بصراحة خطاب مكنون أمريكا الاستعمارية،أنه يريد توسعة الكيان الصهيوني،وتحقيق السلام الإبراهيمي، وكشف عن دعوته السلمية بقوة السلاح،وهو لم يكد يصل إلى سدة الحكم حتى أعلن الحروب،وبشّر بالجحيم والتهجير لكل من يناوئه في سياسته التوسعية المسبوقة بالضم الهجين والعهر القديم.!
إقرأ أيضاً
وانطلاقًا من ذلك، نرى أنه لم يعد أمام العرب والمسلمين ،وبخاصة قوى محور المقاومة سوى أن يندفعوا باتجاه الحق الفلسطيني،ويبادروا إلى رفض دعوة السلام بقوة السلاح،لفرض الشروط،وتحقيق الهيمنة الاستعمارية لقضم المزيد من الأرض في جوار فلسطين،حيث بارك الرب، وتهوّد السلاطين!
إن تحالف قوى الشر برئاسة أمريكا،يسعى لتهجير العرب والمسلمين من بلادهم،أو فيها لقناعة الغرب المستعمر، وحاجته إلى سوق العبيد في الشرق الأوسط الجديد،الذي يراد له تجاوز فلسطين، ليكون له امتداده ما بين النيل والفرات على وقع عبادة طاغوت،بل شيطان يمتهن تجارة الرقيق، وتستهويه أموال العرب والمسلمين!؟
فهذا كله يُنذر بالمزيد من البلاءات على مستوى الوجود والحضور والهوية! لقد تلمّست شعوبنا،وكذلك حكامنا،حسيًا ومعرفيًا،حقيقة الخطاب الأمريكي في دعوته لحماية مصالح أمريكا والكيان الصهيوني،بالسلم،أو بالحرب،وهذا ما لم تستحِ بإعلانه الإدارة الأمريكية،أنها تريد السلام بقوة السلاح،وها هي أمريكا تبحر في كل اتجاه،وتهدّد قوى المقاومة بالفناء،وقد سمع الأعراب جيدًا بمقالة الجحيم لشعب اليمن وفلسطين،ولكل من لا يبارك للشيطان بمسحة المجد اللعين!
فإذا كان العرب والمسلمون يريدون السلام بقوة السلاح،وباختلاس الأموال،فهم لا بد أنهم سمعوا بمقالة أمريكا الجديدة:"لا تغضبوا الرئيس ترامب!."،فيا له من خطاب يُذكرنا بانحطاط القرون الوسطى،ووأد البشر،وتجارة الرقيق،ويقربنا من جهنم أمريكا نفسها،إذ لم يعد متاحًا لأحد أن يناقش الفرعون،أو التحاور بشأن الأهداف والمصالح! لما أعلنته أمريكا من أن القوة أصبحت مقياسًا لكل شيء،ودليلًا على كل كرامة وقيمة!وبما أن أمريكا،بحكم طبيعتها الاستعمارية،تفتقر لشروط المفاوضة والحوار،وتقدّس القوة والاستعمار،فهي لم تعد متواريةً خلف أطر الدبلوماسية،ولا مأخوذةً بالحقوق المشروعة للشعوب،فهذا كله لا تُخفيه مجازر فيتنام،ولا جرائم الإبادة في فلسطين،وحيث حل مجد أمريكا بالإرهاب والتجويع! ذلكم هو معنى لا تغضبوا الرئيس"ترامب"،فهو قادر على الإبادة والقهر المميت من اليمن إلى إيران وإلى كل بلاد العرب والمسلمين،الذين لم تنس أمريكا يومًا أنهم بسطوة مجدها،وقهر قوتها،قد ضلوا عن فلسطين! إنه المسار الأخير لطغيان القوة وصلف الكبرياء ومفاخر الشيطان؛فإذا ما بدأت الحرب من اليمن، فإن العالم كله سيكون أمام أخطر تحول استراتيجي،سواء في السياسة،أو في التحالفات والمحاور،أو في تضارب المصالح بعد أن أصبحت إدارة العالم ومصالحه مرهونهً للقوة الأمريكية،التي تسعى بكل الوسائل المتاحة لديها لفرض سلام الأقوياء،وتظهير أمريكا الجديدة على أنقاض الفناء العالمي!
ويبقى السؤال، هل تنجو أمريكا من مفاتن قوتها، ومخالب يهوديتها، ومنازع شياطينها؟ فإذا لم تكن تجارب التاريخ والصراعات الوجودية،قد أفادت أمريكا في اختيار سبل البقاء والنجاة، فإن ما ينتظر مجد قوتها في البحر الأحمر ومضيق هرمز،كفيل بأن يثير انتباه أمريكا في لحظة سقوطها المريع!فلننتظر ،ولنترقب،ولنكن على ثقةِ بأن الله لا يصلح عمل المفسدين.والسلام.
بقلم أ.د. فرح موسى: رئيس المركز الإسلامي للبحوث والدراسات القرآنية في لبنان