ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "إِذا أَرَدْتَ أَنْ تُطَاع فَاسْأَلْ مَا يُسْتَطاع".
حيث يكون مُدّبِّرٌ ومُدَّبَّرٌ يكون للأول حاكمية وحق تصرُّف ويكون له على من يدبر أمره حقُّ الطاعة.
وحق الطاعة هذا تارة يكون بالذات، وأخرى يكون مأذوناً به ممن له حق الطاعة بالذات، ولما كان الله سبحانه هو خالق الكون وما فيه ومن ضمنه الإنسان فإن الربوبية منحصرة به تعالى وله على الإنسان حق الطاعة المُطلقة والحاكمية المطلقة.
قال تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" ﴿الأعراف/54﴾.
فمن له الأمر فله حق الطاعة. والمراد من وجوب الطاعة أن يضع الإنسان وجوده وما وهبه الله من نعم في طاعته سبحانه، وأن تكون إرادته ومشيئته تابعة لإرادة الله ومشيئته، والمروق من هذه الطاعة يعتبر عدوانا على الله يُقَبِّحه العقل.
وأما غير الله فليس له حق الطاعة بالذات، لأنه لا دخل له في إيجاد الإنسان وحياته ورزقه والنِّعَم التي يتَنَعَّم بها، إلا إذا أعطاه الله هذا الحق، قال سبحانه: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ" ﴿النساء/ 80﴾.
وهكذا الشأن في أولي الأمر الذين يدبرون أمر الأمة، والوالدين الذين يدبران أمر الأولاد، والزوج باعتبار قيمومته على زوجته، وصاحب العمل باعتباره مالكاً له، ورئيس القوم باعتباره مدبراً لشؤونهم المختلفة، ولكل هؤلاء حق على من دونهم بالطاعة والتسليم. ولكنها طاعة مجعولة من الله تعالى وليست حقاً ذاتياً لهم.
ورغم أن لله تعالى على عباده حق الطاعة المُطلقة فإنه سبحانه لا يأمرهم بما لا يقدرون عليه، سواء كان المانع من ذلك فقدان القدرة البدنية، أو فقدان القدرة المعرفية، أو لوجود مانع خارجي يحول دون ذلك، قال سبحانه: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..."﴿البقرة/286﴾ كما لا يكلف الله الإنسان بما يوقعه في الحَرَج والعُسر كما نصَّت الآيات الكريمة لأن ذلك قبيح عقلاً والله سبحانه لا يكون منه ذلك أبداً.
وعليه فيستحيل أن يأمر الله تعالى بما لا يستطاع، لأنه إما أن يعجز العبد عن الطاعة مع علم الله بعجزه فيكون الأمر لغواً، أو يكون في ذلك ظلم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وهكذا الشأن في الآمرين الأخرين سوى الله تعالى فإنه وإن ثبت لهم منصب الأمر وحق الطاعة بجعل من الله تعالى لكن الأوامر الصادرة منهم ينبغي أن تكون في دائرة الممكن والمقدور عليه، مراعية قدرة المأمور واستطاعته.
وعليه فإذا كنت أميراً وأردت أن تطاع فلا تأمرنَّ بما لا يقدر عليه المأمور. بل لا بد من مراعاة حاله والنظر إلى إمكاناته البدنية، والعقلية، والمعرفية، وظروفه الموضوعية، فإذا علمت أن المأمور قادر على الفعل فاطلب منه وإلا فلا.
وإن كنت زوجاً وأردت أن تطاع فراعِ حال الطرف الآخر ولا تثقلَنَّ عليه بما تعلم أنه عاجز عن الإتيان به. وهكذا الحال في علاقتك بأولادك، أو موظفيك وعمّالك، عملاً بقول الإمام أمير المؤمنين (ع): "إِذا أَرَدْتَ أَنْ تُطَاع فَاسْأَلْ مَا يُسْتَطاع" حيث أرسى به قاعدة رائعة من قواعد التعامل مع الآخرين: لا تطلبن من أحد أمراً لا يقدر عليه لأنه لن يتمكن من الطاعة لعجزه عنها، فضلا عن كون الأمر بما لا يستطاع دليل على لغوك في أوامرك، أو ظلمك، أو قلة خبرتك.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي: