رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "رَأْيُ الرَّجُلِ عَلى قَدْرِ تَجْرِبَتِه".
إذا كنت ابن التراب تكوينياً، وابن والديك بيولوجياً، فأنت ابن تجربتك معرفة ورأياً ووعياً وخبرة. وحدها التجارب هي التي تصنعك، وتُصقل شخصيتك، وتعرِّفك إلى مواهبك، وتُفَعِّل طاقاتك، بل إن ذاتك في مرحلة متأخرة من مراحلها ليست إلّا تراكماً من التجارب الإيجابية منها والسلبية، وعلى قدر استفادتك وموقفك منها تتشكل شخصيتك وقناعاتك وآراؤك ومواقفك من الناس والحياة على نحو مغاير للآخرين، وهي التي تُحدِّد توجّهاتك تجاه من تحب ومن تكره، وما تقبل وما ترفض، وما الذي بوسعك أن تفلعه أو لا تفعله.
الحياة لا يمكن أن تسير على خطٍ مستوٍ لا تعرجات فيه، ففيها الصعود وفيها الهبوط، وفيها الفوز وفيها الخسران، وفيها الصحة وفيها المرض، وفيها الغنى وفيها الفقر، وهي بهذا تكشف للمرء عن حقائقها، وتعرفه على معادلاتها وقوانينها، وتبتليه ليُظهر أفضل ما لديه.
لذلك يصعُب أن نعزل التجارب من التكامل النفسي والمعنوي عن شخصية الإنسان وتَشَكُّلها مع مرور الأيام.
من حُسْنِ حظِّ المرء أن تمرّ عليه تجارب مختلفة في حياته، ومن التوفيق العظيم أن ينخرط بإرادته في تجارب عديدة ومتنوعة، وأن يواجه صعوبات وأزمات وإخفاقات، وأن يحَقِّق إنجازات، فكل ذلك يستخرج منه أعظم ما يكتنزه في نفسه، ويمنحه وعيا عالياً ويُصَيِّره ذا رأي رصين، ويمنحه قدرة هائلة على الثبات أمام العواصف العاتية، ومواجهة النوازل القاصفة.
مما تقدم نفهم أن عمر الإنسان عمران: عمر الأيام التي يعيشها، وعمر التجارب التي يخوضها، ونُضجه ووعيه وسلامة رأيه ناتج تجاربه لا ناتج عمره، فرُبَّ شخص عاش طويلاً ولا رأي له ولا خبرات اكتسبها، ورُبَّ شخص صغير العمر لكنه سديد الرأي لأنه خاض غمار التجارب واستفاد منها، فالتجارب هي التي تحول الإنسان من حال إلى حال، هي التي تغير قناعاته وآراءه وطريقة تفكيره وتصنع منه إنسانا مختلفا عما كان، فيصير أكثر نُضجاً ووعياً وأسدَّ رأياً وأوسع أفقاً.
والفرق كبير والبَونَ شاسع بين من يتعَلَّم من تجاربه وبين من لا يتعلَّم منها، وبين من يثبت أمام التحديات، وبين من لا يثبت، فالذي يتعلَّم من تجاربه يكون أثر نُضجاً ووعياً، والذين يثبت أمام التحديات يكون أعمق رأياً وأثبت قدَماً في الحياة، ويكون جديراً بصناعتها والتأثير في أحداثها، أما ذاك الذي لا يتعلَّم من تجاربه وينكسر أمام التحديات، فلا يراكم معرفة، ولا يزداد خبرة، ولا يستقر على رأي، وتتخطاه الحياة وأحداثها.
ولذلك ينصح أطباء النفس بأن ينخرط المرء في التجارب، وأَلّا يخشاها، فبالتجارب يصنع شخصيته، وبها يتغيَّر من السَّلب إلى الإيجاب، وبها يتعرَّف على قوانين الحياة وما يكون وما لا يكون، وما يمكنه فعله وما لا يمكنه فعله.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي